كل يوم يمر علينا نكون فيه جزءًا من طابور أو اصطفاف خلف أفراد آخرين للحصول على خدمة من مكتب ما أو الحصول على أطعمة من أحد المطاعم، وبالتالى فهو موضوع جدير بالاهتمام والنقاش والتنبيه إليه وخاصة بعدما وصل إليه حالنا وسوء إدارته التى تصل إلى حدوث بعض المشاحنات والمشاجرات بين أفراد الصف الواحد.
فمن المتعارف عليه أن ثقافة الدور هى وليدة البيئة الثقافية التى نشأ فيها الفرد، فمن يتربى على احترام الذات يفرض عليه عدم الأنانية واحترام الآخرين، وفى هذا السياق أذكر تجربة مررت بها فى أثناء دراستى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وخلال الأسابيع الأولى بعد الانتهاء من قاعات الدرس كنا نذهب لتناول بعض الأطعمة والمشروبات السريعة، فذهب أحد الدارسين وهو لا يدرى ما القواعد المتعارف عليها للحصول على الخدمة لأنها ليست مكتوبة ولكنها موجودة فى السلوك ويمارسونها يوميًّا، فحدث أن كان هناك خمسة أفراد أمام الشباك يصطفون فى طابور وذهب مسرعًا للكاشير لاستلام الشيك بطلباته، فإذا بنظرة جماعية من كل الواقفين حوله أدرك بعدها هذا الشخص أنه أخطأ وكأنهم يلقنونه درسًا باحترام ثقافة الدور وعدم انتهاك حقوق الآخرين، ومع مرور الأيام تأكدت ملاحظتى أن هؤلاء الأشخاص يقدسون ثقافة الدور وأن من يأتى أولا يتلقى خدمته أولًا، للدرجة التى كانت تصل إلى أن الأساتذة الذين كانوا يدرسون لنا يقفون خلف تلاميذهم احترامًا للدور وترسيخه.
ومن المعلوم أن بعض المصريين يتميزون بالفهلوة واختراق الدور وتخطى جميع المصطفين فى الطابور وتخليص المصلحة على حساب الواقفين وكأنهم ليسوا من بنى جلدتهم، وأنهم من نوع مختلف فى مرتبة متقدمه عنهم، فترى من يأتى متأخرًا ويقف أمامه العشرات ويخترق كل هذه الصفوف للوصول إلى مبتغاه وبذلك يكسر كل القواعد وينتهك حقوق الآخرين للدرجة التى تصل بهم أحيانا إلى التفاخر بأنه لم يلتزم بالدور أو الوقوف على الشباك؟!
فنحن بحاجة إلى ثقافة احترام الدور والاصطفاف فى الطابور فى مناحى حياتنا شتى لكونها تعمل على تآلف واحترام بعضنا البعض ويكون فيها قدر من النظام وعدم العشوائية فنحن نقف فى طابور (لشراء الخبز، والحصول على خدمة من مكتب حكومى، وطابور فى محطات وسائل النقل والأتوبيس). ومن المفترض أن من تكون له أولوية الركوب أو الحصول على الخدمة هو من يأتى أولًا وليس لأى سبب آخر.
فعلينا جميعًا الالتزام بالقواعد المتعارف عليها، وأن يلتزم كل شخص بمكانه ولا يتعدى على الآخرين، وأن نعلم أبناءنا وإخوتنا منذ الصغر احترام مثل هذه الثقافة وترسيخها داخل السلوك لتكون بداية للارتقاء بحالنا كما كنا فى السابق، ومسايرة الدول المتقدمة المتحضرة التى تقدس مثل هذه السلوكيات.