العمد والعواقل: 95% من مشاكل المحاكم تحل عرفياً بـ«براد شاى»
يستحوذ القضاء العرفى على غالبية قضايا ومشاكل أهالى مطروح
تعد محافظة مطروح من المحافظات التى تحظى بطبيعة اجتماعية خاصة، نظراً للوضع القبلى بها، ووجود أكثر من 70% من السكان من القبائل العربية، ما ينعكس فى استحواذ القضاء العرفى بها على معظم القضايا والمشاكل التى تظهر بين أبناء المحافظة، وميول الأهالى للأحكام العرفية والشرعية بدلاً من الذهاب إلى المحاكم، الأمر الذى يخفف أعباء كثيرة على الدولة والقضاء ووزارة العدل.
يقول عيد السرحانى، عمدة قبيلة السراحنة بالنجيلة: «هناك قضايا مهمة تقوم بحلها لجنة المصالحات بمطروح وتوجد لجنتان بمجلس عمد ومشايخ مطروح؛ لجنة عرفية ولجنة شرعية، الأولى تضم 15 عضواً من عمد وشيوخ قبائل مطروح، والثانية تضم الأوقاف والأزهر فى عضويتها بجانب العمد والمشايخ»، مستكملاً: «دور اللجنتين حل مشاكل الناس بشكل دائم وعلى مدار اليوم، ويلجأ إلينا المواطنون الذين يتعرضون لمشاكل مختلفة، ولا يريدون الذهاب لأقسام الشرطة أو النيابة، بغرض الحل بشكل ودى، وننظر فيها ونحكم، حسب كل مشكلة على حدة، وبالنسبه للأحكام أحياناً نغلظ العقوبة بدافع الردع، وأكبر المشاكل نقوم بحلها مثل القتل، ففى الأيام الحالية نقوم بحل مشكلة قتل رجل فى قرية فوكة وهى الحادثة الشهيرة فى مطروح، كما أن العرف والشرع يقضى فى القتل العمد بعقوبة تصل لأكثر من مليون جنيه».
«السرحانى»: مسيحيون يطلبون تدخلنا لحل مشاكلهم.. ونائب: القضايا بتخلص فى «قعدة».. ويجب تدريس التجربة
ويضيف: «هناك أشخاص من أصحاب الحقوق المضارين يتنازلون خلال جلسة التصالح بحضور القبائل عن حقوقهم، بعدما يتم الفصل فى المشكلة، ويكون التنازل عن أى محاضر بين المتنازعين، ومن يريد القانون فهذا شىء اختيارى له، وهناك مشاكل عديدة ينظرها العرف منها المشاجرات والضرب وقضايا النفس كالقتل، والأراضى، ولدينا المصالحة أو ما تسمى بلجنة المساعى الحميدة، ودائماً ما تبدأ بسماع المصاب وأهله فى القتل والضرب وخلافه، ثم الطرف الآخر، فالشرع يغرم بالمال والعرف يغرم بالذبائح، التى من الممكن أن تتجاوز 20 ذبيحة فى بعض المشاكل بخلاف الغداء الذى يحضره آلاف المواطنين من جميع القبائل لإعلان المصالحة، وهناك مواقف يتم الحكم فيها بأموال وذبائح، وخلال إعلان الصلح أمام عامة الناس بحضور طرفى النزاع، ممكن تجد تنازلاً من صاحب الحق عن جزء من المحكوم له من مال أو خلافه أو عنها كلها، ويسامح لوجه الله، وفى قضايا الزنا عندما ننظر هذا النوع من القضايا، يكون الحكم غليظاً، فحكم العرف إذا ثبت على السيدة فعلها ذلك، يكون الحكم بأن يطلقها زوجها والفاعل يتزوجها ويغرم بدفع قيمة الزواج لزوجها، وفى مشاكل الطلاق إذا طلب الزوج الطلاق لأسباب غير مقنعة، يدفع المؤخر ومصروفاً شهرياً للأولاد بالتراضى حسب الظروف الاجتماعية، وإذا غضبت وطلبت الزوجة الطلاق تقوم برد المهر ومصاريف الفرح لزوجها إذا كانت هى المخطئة، قائلاً: «نحن كبدو نحل مشاكلنا بالعرف قبل أن تسن القوانين منذ زمن بعيد».
ويقول سعيد مصطفى، عمدة قبيلة عميرة بمطروح: «أكثر من 95% من قضايا مطروح تحل عرفياً بعيداً عن المحاكم، والمشكلة الواحدة ممكن تتحدد لها 5 جلسات عرفية وتأخذ وقتاً، وهناك من يحل سريعاً ولا يأخذ سوى جلسة واحدة، فمثلاً فى مشاكل الأراضى ممكن أن تتعدد الجلسات، جلسه مع الأطراف كلها، وثانية مع الشهود، وثالثة لزيارة الأرض ومعاينتها، وغير ذلك، مما يأخذ وقتاً وجهداً، وهناك مشاكل غريبة لا تتكرر كثيراً».
«مصطفى»: المشكلة الواحدة ممكن يتحدد لها أكثر من مجلس
ويكمل إدريس أبوالسويطية، عمدة قبيلة الجميعات: «لجنة المصالحات العرفية تنعقد يومياً، ونناقش 4 مشاكل على الأقل، فى مدينة مرسى مطروح فقط، بمجلس العمد والمشايخ، بخلاف العمد فى المراكز الأخرى الذين يقومون بالتدخل للحل العرفى فى العديد من القضايا أيضاً، وأغلب الخلافات التى تأتى إلينا خاصة بالأراضى، منها على سبيل المثال بيع أراضٍ منذ الأجداد، ويأتى الأحفاد يطالبون بحقهم فى الأراضى وغالب مشاكلها تكمن فى الشكوى من أن الأراضى بيعت بأسعار قديمة، وأنهم لم يحصلوا على حقوقهم فى أراضى أجدادهم، وغير ذلك من مشاكل الأراضى، بجانب نزاعات على شقق، وحدود أراضٍ بين قبيلتين، وعندما نحدد ميعاداً للطرفين للحضور ولم يأت طرف نقوم بإبلاغ قسم الشرطة، لإحضاره، وحالة رفضه نقوم بإبلاغ النيابة لتحريك المحضر بشكل رسمى ونرفع أيدينا كلجنة عرفية، ويأخذ القانون مجراه، ولكن معظم الأطراف يلتزمون بالميعاد، ونستمع إلى كل طرف والآخر يحضر ويسمعه ولا يقاطعه، ثم نستمع للطرف الآخر، ومن هنا يتضح إلينا الأمر ونجلس عدة جلسات ونصدر حكماً ونوقع عليه، وعلى الأطراف فى النزاع الالتزام به، وإذا رفضه أحدهم، يحول الأمر للقسم لاتخاذ ما يلزم، وتابع: معظم الأحكام العرفية فى مطروح تستند إلى الشريعة الإسلامية، وتخفف العبء عن القضاء والمحاكم التى لو لم تكن هذه الأحكام العرفية لغرقت المحاكم فى المشاكل، فهى تسهم بشكل كبير فى البت فى جزء كبير من المشاكل وتحل قضايا عديدة.
وحول القضاء العرفى يقول النائب مهدى العمدة، عضو مجلس النواب عن محافظة مطروح، لـ«الوطن»: «أكثر من 90% من القضايا التى تستمر سنوات فى المحاكم بتخلص عندنا فى براد شاى، لاستجابة المواطنين واحترامهم القعدات العرفية، ففى النهاية كل طرف يعرف أنه سيأخذ حقه كاملاً، والدولة تدعم ذلك، وتوجد لجان فى كل مدينة فى المحافظة، وفى كل قبيلة أشخاص سخرهم الله لحل مشاكل أبناء القبيلة مع القبائل الأخرى، وهم متخصصون فى حل المشاكل الكبيرة والصغيرة، من خلال العرف، وأهم شىء أن يكون الشخص القائم على الحل والتدخل لديه قبول لدى الناس وتكون له مكانته الاجتماعية، فالقضاء العرفى فى مطروح شىء يدرس، من حيث السلاسة والفاعلية على أرض الواقع بإنهاء المشاكل وتوثيق ذلك عن طريق كتابة ورق بها، وأى مشكلة حتى جرائم القتل بتخلص، والحكم ملزم للطرفين، وهناك أشياء اجتماعية نقوم بعمل حسابها، لم يهتم بها القانون، لكن فى الأحكام العرفية، فالقائمون عليها يعرفونها جيداً، وتتم مراعاتها، ومنها إلزام عائلة بكاملها بعدم الخروج من البيت والمكوث به، لحين حل المشكله احتراماً لشعور العائلة الأخرى حتى لا تزيد المشكلة وتحدث احتكاكات ينتج عنها تفاقم المشكلة، ومراعاة العادات والتقاليد والاجتماعيات التى يضعها القضاء العرفى أمام عينيه، ويعرفها جيداً ويعمل حسابها جيداً»، مستطرداً: «القضاء العرفى فى مطروح لا بد أن يدرس».