يبدو أن اسم «الدكتور هشام عرفات مهدى أحمد» وزير النقل، قد سقط سهواً -ولن نقول عمداً افتراضاً لحسن النوايا- من قائمة أسماء مسئولى هيئة السكك الحديدية الذين أحالهم هو نفسه إلى هيئة النيابة الإدارية للتحقيق معهم، على خلفية حادث خروج عدد من عربات «قطار المرازيق» عن القضبان، والذى وقع قبل عدة أيام، ونتج عنه إصابة 55 مواطناً، وفقاً لما أعلنته وزارة الصحة والسكان.
ووفقاً لمبدأ «أنا وبعدى الطوفان» فإن وزير النقل حرص على إبعاد اسمه من القائمة، باعتبار أنه لم يكن «سائق القطار» أو المسئول عن صيانة القطارات أو الإشارات إلا أنه -فى واقع الأمر- كان لا بد أن يضم اسمه إلى أسماء الـ14 من مسئولى هيئة السكك الحديدية المحالين إلى النيابة الإدارية باعتباره مسئولاً بصورة مباشرة عن الحادث، بوصفه الوزير الذى وقع الحادث فى دائرة عمله بالوزارة..!
اللافت للنظر أن القائمة ضمت «مدير الهيئة - مدير عام التشغيل - مدير عام الصيانة»، وأيضاً «مدير إدارة التشغيل على الشبكة بالجيزة - رئيس قسم المحطات - رئيس قسم البلوكات - ناظر محطة المرازيق - مراقب برج المرازيق»، إلى جانب «مدير إدارة الإشارات - رئيس قسم الإشارات - مهندس إشارات - رئيس كهربائيى الإشارات - وعدد 2 من كهربائيى الإشارات».
إذا كان البعض يرى أن الزج باسم وزير النقل فى هذه القائمة أمر يصل «الظلم» فيه إلى القمة، باعتباره غير متورط بصورة مباشرة فى الحادث، فإن الأمر ينطبق أيضاً على عدد من المسئولين غير المتورطين، وعلى سبيل المثال «مدير الهيئة.. رئيس قسم المحطات.. رئيس قسم البلوكات.. ناظر محطة المرازيق»، فجميعهم ليس لهم «علاقة مباشرة بالحادث».. فمثلاً ما علاقة ناظر المحطة أو رئيس قسم المحطات والبلوكات ورئيس الهيئة بالحادث، باعتبار أن جميعهم لا يعملون سواء فى قيادة القطار أو تشغيل إشاراته مثلهم فى ذلك مثل الوزير، إذا اعتمدنا مبدأ من كان متغيباً عن القطار أو إشارة مروره وقت الحادث لا يجب تحميله أى مسئولية..!
لا نستهدف التدخل فى التحقيقات التى بدأت تجريها النيابة الإدارية فى الحادث ولكننا نحاول تطبيق المنطق -الذى اختاره الوزير لإبعاد نفسه عن المحالين إلى التحقيق- على بعض ممن ضمتهم القائمة..! خاصة أن الوزير لم يكتف بقراره هذا بل حرص بصورة رتيبة ومملة على أن يؤكد، فى تصريحات صحفية عقب الحادث، أنه «لا تهاون مع أى مقصر»، وأنه فور موافاته بنتيجة التحقيقات سيتم اتخاذ اللازم مع المسئولين عن ذلك الحادث، مشيراً إلى أن الوزارة تعمل على إحداث طفرة حقيقية بهيئة السكة الحديد وتطوير جميع مرافقها.. «ولا نكذبه فيما يتعلق بالجزء الأخير من تصريحاته»..!
الملاحظ أيضاً أنه منذ عام 1992 تشهد منطقة المرازيق حادثاً فى كل عام تقريباً، فحادث الأسبوع الماضى ليس الأول، فإذا رصدنا حوادث المرازيق «تنازلياً» فسنجد أنه فى يونيو الماضى اصطدم قطار ركاب بـ«تروسيكل» مُحمل بأنابيب البوتاجاز بعدما اقتحم شريط السكة الحديد من منطقة غير مُعدة للعبور بين محطتى «البدرشين» و«المرازيق» ما أدى إلى تعطل القطار دون حدوث إصابات بين الركاب، وفى مايو 2017 خرجت 3 عربات لقطار بضاعة عن القضبان بالبدرشين، لم يسفر عن أى خسائر أو إصابات بشرية، وفى يناير 2013 لقى نحو 19 شخصاً مصرعهم وأصيب ما لا يقل عن 117 آخرين، إثر خروج العربة الأخيرة من قطار مجندين عن القضبان عند مزلقان أبوربع بالبدرشين، أما فى يوليو 2012 فقد اصطدم القطار رقم 990 الإسبانى المتجه من القاهرة إلى سوهاج مع القطار 162 الفيوم، الذى كان يقف بمحطة البدرشين لحظة التصادم، وأسفر الحادث عن إصابة 15 مواطناً، وفى فبراير 1992 لقى 43 شخصاً مصرعهم إثر اصطدام قطارين قرب محطة البدرشين.
سلسلة الحوادث المأساوية التى تشهدها المنطقة لم تلفت نظر أو انتباه المسئولين بالوزارة حتى يتخذوا إجراءات لتفادى تكرارها، ولا تقف «قلة الإمكانيات» التى تتصدر ردود المسئولين على عدم تطوير المنطقة لتفادى هذه الحوادث وحفاظاً على أرواح الركاب «وفقاً لفقه الأولويات»..!
وعلى هامش الحادث الأخير فإنه يبدو أن ظاهرة «تمرد» قطارات السكك الحديدية عادت مجدداً لتصدم الرأى العام بحوادثها الدامية بعد أن تثور على قضبانها، وتخرج عن «طوعها» لتهدد كل من يفكر يوماً فى أن يكون ضمن قائمة ركاب القطارات التى أصبحت تقارب «النعوش التى تجرى على عجلات حديدية»، وبخاصة تلك التى تمر بهذه المنطقة!!
فى كل حادث يتكرر السيناريو بذات مشاهده.. تصريحات «نارية» من جانب قيادات وزارة النقل بمعاقبة المسئول عن الحادث.. لجان فنية تتشكل للكشف عن أسباب الكارثة.. وبعدها يظهر المتهم.. سائق قطار.. أو عامل إشارة لا حول له ولا قوة يقدم للمحاكمة بعد أن تثبت التحقيقات الإدارية وتقارير اللجان الفنية دائماً أنه الجانى دون أدنى مسئولية على قيادات وزارة النقل الذين اعتادوا أن يتصفحوا الصحف اليومية وهم يرتشفون قهوة الصباح بحثاً عن صورهم التى تزين تصريحاتهم حول تلك الخطط التى بدأوا تطبيقها لتطوير الخدمة والحفاظ على حياة الركاب!!.. لينتهى كل شىء مؤقتاً ليتجدد السيناريو بذات مشاهده المأساوية فى الحادث المقبل..!
وسواء كانت نتائج التحقيقات الإدارية فى الحادث الأخير قد أعلنت أو لم تعلن بعد ستكتشف اللجان الفنية التى بالتأكيد تشكلت فى ضوء توجيهات وزير النقل أن مسئولى الوزارة وقياداتها جميعاً بريئة تماماً.. فلم يدخروا جهداً فى تطوير الخدمة، وأنه رغم «قلة الإمكانيات» فإن حالة القطارات جيدة للغاية، خاصة أن عمليات الصيانة الدورية لها تجرى فى مواعيدها تماماً، فكل شىء على أكمل وجه، وذلك طبعاً «بفضل توجيهات معالى الوزير»، وهو ما يبدو معه أن الاتهام فى الحادث المقبل للقطار فى ذات الموقع -لا قدر الله سبحانه وتعالى- سيطول «عامل البوفيه فى القطار أو ربما أحد ركابه»..!!