التجارة فى الفراغ: «نصبة شاى» على الكورنيش.. و«صفارة» لركن السيارات
الباعة الجائلون يفترشون طريق الكورنيش
ينتظر سيد عبدالحميد فى شارع قيادة الثورة بالزمالك، أى بقعة شاغرة لركن سيارته، يجوب الشوارع طويلاً أملاً فى العثور عليها، لكن النقص الكبير فى أماكن الانتظار يشكل عائقاً، هنا يتدخل «رضوان السايس» 56 عاماً، ليكون المنقذ الوحيد له، إذ يوفر مكاناً للركن، هذا المنقذ يختفى أثره تماماً عندما لا يكون بمقدرته توفير مكان للركن، لكنك تفاجأ به وأنت تغادر بسيارتك، يقفز أمامك يريد مكافأة لا يستحقها ولم يبذل فى سبيلها أى جهد.
يفتح «رضوان» الباب قائلاً لـ«سيد»: «حمد الله على السلامة يا باشا.. هتتأخر؟»، فيرد عليه: «هى وظروفها.. أسيبها مكانها ولا أوقفها فى مكان تانى؟»، ليترك سيارته هو وزوجته وأبناؤه، ويذهب إلى مطعم «كازينو»، يقول «سيد»: «السايس شغال بالفهلوة وفرض الأمر الواقع على أصحاب السيارات»، مشيراً إلى أنه كثيراً ما يتعرض للاستغلال بمنطقة وسط البلد: «كل واحد ليه تسعيرته والمنطقة بتاعته وماحدش يقدر يقف من غير ما يدفع».
«أبودراع» يدير 3 «فرشات» على النيل: «معايا ماجستير.. وشغال معايا 20 شاباً معظمهم مؤهلات»
واستحوذت محافظة القاهرة على المرتبة الأولى بعدد المركبات، بها 2.3 مليون مركبة بنسبة 25.1%، من أصل 3.2 مليون مركبة بنسبة 34.5% بالمحافظات الحضرية، حسبما ذكر الجهاز المركزى للإحصاء فى بيانه الصادر 7 يونيو 2017. ويقول «مصطفى أحمد»، 27 سنة، أحد سكان منطقة الزمالك، إن وظيفة السايس تعد مربحة للعاطلين الذين يختارون المواقف العشوائية لتجمع السيارات ومعهم صبية آخرون بينهم طلاب المدارس: «عاملين نظام النوبتجيات»، مشيراً إلى دورهم فى تنظيم حركة المركبات المتوقفة بالمنطقة ويحصلون من أصحابها على مبالغ تتراوح ما بين 5 و20 جنيهاً: «وكأن دا أصبح حقهم وماحدش بيعترض».
أما «رضوان السايس» فيؤكد أنه يؤمن السيارات، ولا يستطيع شخص أن يقترب منها، لعلمه بكل سيارة تركن فى المنطقة التى يقوم بحراستها: «مفيش شخص يقدر يقرب من عربية، ولو لمحت حد باجرى أمسكه على طول وأعرف مين هو». على بعد عدة أمتار من «رضوان» وقف «ناجح حسين» 39 سنة، محافظة قنا، على كتفه فوطة صفراء مبللة بالزيت، وبجواره جردل ملىء بالماء، وصافرة معلقة بعنقه، يوجه بها بعض أصحاب السيارات إلى المكان الذى احتكره، يقول: «إحنا عارفين كل عربية، والزبون اللى بييجى مرة بنتعرف عليه، علشان لو حد قرب من عربيته، نبقى عارفينه».
مشهد معتاد بطول كورنيش النيل، شباب وفتيات وعائلات، يجلسون وظهرهم للشارع، وأعينهم إلى الماء، ليبتعدوا عن غلاء أسعار الأماكن الخاصة، فيتوجهوا إلى الكورنيش، طالبين القليل من الهدوء، وعدم الإزعاج، لكنهم دائماً ما يفاجأون بالباعة الجائلين، الذين تحدوا القانون واستولوا على الرصيف، وقام كل منهم بتحديد «حتته» ببضاعته وكراسيه.
«اتفضل يا باشا.. أسعارنا رخيصة» هكذا تجذب «سهر على» الفتاة العشرينية، المواطنين للجلوس، بالقرب من كوبرى قصر النيل، خلفها عربة حمص، وبجوارها بعض المشروبات، يقف عليها رجل أربعينى، تقول: «الناس بتكون خايفة تقعد تلاقى الأسعار غالية»، مشيرة إلى أنهم يوفرون لهم كراسى ولا يستطيع أحد إزعاجهم: «ماحدش بيدخل يعرض عليهم حاجة، علشان يعرفوا يقعدوا».
2 مليون «عربية» تبحث عن «ركنة» و«محمد»: «مفيش قدامى حل علشان أعيش غير إنى أشتغل سايس»
وعلى أحد المقاعد العامة بالممشى، جلس «وليد» الشاب الثلاثينى، بجواره الأيمن أحد أصدقائه، والأيسر زجاجة مياه صغيرة، وفى يده عكازه، يقول إن فكرة الممشى حضارية، وجيدة لقيام الكثير بالتمشية والحصول على نسمة هواء، خاصة فى فصل الصيف، موضحاً أنه أصبح نزهة للعائلات الآن، بعد ارتفاع الأسعار.
على بعد خطوات من «وليد» جلس «أحمد فتحى» 23 عاماً، أحد عشاق كورنيش النيل، يضع سماعة الأذن، ويمسك بيده هاتفه المحمول، ويحلق بنظره للسماء، كعادته بالجلوس الدائم ليلاً على الكورنيش، سواء وحيداً أو برفقة خطيبته، لقرب النيل من منزله، ولعدم قدرته المالية على الجلوس بأحد الأماكن الهادئة، يقول: «الرخامة مالهاش حدود هنا.. بس هاعمل إيه؟ كل الأماكن التانية غالية»، يستكمل «أحمد» كلامه ببعض المواقف التى حدثت معه أثناء جلوسه على الكورنيش: «عندك بتاع الشاى مثلاً، تبقى لسه مشترى منه، وفجأة ينط لك كل خمس دقائق، وخطيبتى بتبقى معايا، فيخلينى أديله 5 جنيه زيادة، وأقول له لما أحب أشرب شاى تانى هعرفك».
وأضاف «أحمد» أن السخافات لا تقتصر على بائعى الشاى فقط: «وبتوع الترمس، والذرة، والورد، ده غير الشحاتين طبعاً.. مجرد ما يشوفوك قاعد مع واحدة، تبقى انت السبوبة بتاعتهم النهارده».
أما «وليد الفخرانى» 23 عاماً، الذى يرفض دائماً الجلوس على أحد الكراسى الخاصة، واستغلال الباعة الجائلين له، لذلك يذهب للجلوس بعد صلاة الفجر دائماً، يقول إنه يجب وضع حل لمشكلة الباعة الجائلين.
أما «محمد أبودراع» صاحب الثلاثين عاماً، ويدير 3 نصبات تفترش الكورنيش واحدة تلو الأخرى، وحاصل على ماجستير فى إدارة الأعمال، فبادر بالقول: «أنا معايا ماجستير، وشغال معايا أكتر من 20 شاب، معظمهم مؤهلات عليا»، مشيراً إلى أنه ذهب أكثر من مرة إلى المحافظة من أجل الحصول على ترخيص: «رُحت المحافظة كتير علشان الترخيص، وماحدش ساعدنى»، موضحاً أنه طلب منهم تحديد قائمة بالأسعار، وعند عدم الالتزام بها تطبق العقوبة عليه: «يا ريت يخلوا قائمة أسعار ثابتة وساعتها لو مالتزمتش يبقوا يعاقبونى». وتابع «أبودراع» أنه لا يستطيع رفع الأسعار أكثر من المعتاد عليه، حتى يستطيع جذب الزبائن: «لو الأسعار غالية الزبون هييجى مرة والتانية لا، علشان كدا مخلى الأسعار معقولة، علشان أعمل زبون».
«السايس» مهنة من ليس له مهنة فى مصر