مأساة حقيقية تعيشها حالياً معظم الأسر المصرية التى كان لها أبناء فى الثانوية العامة، وهى مأساة موروثة وقد تستمر طويلاً إذا تأخرنا فى تطبيق منظومة التطوير التى طرحها وزير التربية والتعليم فى المؤتمر الوطنى للشباب أو لم تؤت ثمارها، معظم الطلاب الحاصلين على مجموع 85% فأكثر لن يتحقق حلمهم فى الالتحاق بالكليات التى يرغبونها بالجامعات الحكومية بسبب المجموع ولا فى الجامعات الخاصة بسبب نفقاتها الباهظة، وحتى من يمتلك الأموال لن يلتحق لأن الأعداد محدودة، وهناك آلاف الطلاب المصريين يسافرون للخارج لاستكمال تعليمهم فى جامعات أجنبية رغم أن أهاليهم متوسطو الحال ولكنهم مضطرون أمام طموحات أبنائهم، وحالياً أكثر من 30 ألف طالب مصرى يدرسون فى الخارج × 10 آلاف دولار على الأقل للطالب = 300 مليون دولار (5 مليارات جنيه) تنفقها الأسر المصرية سنوياً على أبنائها للتعليم فى معظم جامعات العالم حتى السودان!
المليارات التى تنفقها الأسر المصرية من قوتها هى أقل خسائرنا، لأن هناك كارثة أكبر فمعظم هؤلاء الشباب خاصة المتفوقين منهم لا يعودون إلى بلدهم ومن أول يوم يبحثون عن الجنسية والعمل، سوف يظل مجموع الثانوية العامة هو سبب كارثة التعليم فى مصر وهموم الأسرة المصرية واستنزاف مواردها وسعادتها أو شقائها، فمنذ ولادة الطفل وعيون والديه على المجموع الكبير وكليات القمة، ثم تبدأ معاناة البحث عن مدرسة خاصة -وما أدراك ما مصروفاتها- ومن أول يوم دراسة فى رياض أطفال (حضانة) تبدأ الدروس الخصوصية من أجل الحصول على مجموع كبير فى الثانوية، نحو 14 سنة دروساً خصوصية وإنفاق عشرات الآلاف من الجنيهات تصل إلى الملايين فى المدارس الدولية من أجل مجموع الثانوية العامة وكليات القمة رغم أن حاجتنا حالياً للعامل الفنى أكثر من الطبيب والمهندس، مع بداية شهر أغسطس الحالى بدأت الدروس الخصوصية قبل شهر ونصف من المدارس، 30 مليار جنيه ينفقها المصريون على الدروس من أجل مجموع الثانوية وفى النهاية مستوانا فى التعليم لا يسر عدواً ولا حبيباً، وخلال مؤتمر الشباب عبّر رئيس الجمهورية نفسه عن عدم رضاه عن وضعنا فى التعليم، الرئيس أيضاً تحدث عن التمويل وقال لو فكرنا فى زيادة راتب المدرس 1000 جنيه سوف نحتاج 15 ملياراً، الموضوع صعب وهل المشكلة فى المدرس والمدرسة أم الطالب والأهالى والمناهج أم فى نظرة المجتمع لكليات القمة والتعليم الفنى أم فى المنظومة كلها؟
بعض الاقتراحات البسيطة التى ربما تسهم فى تخفيف آثار هذه المأساة:
لماذا لا نسهل لرجال الصناعة إنشاء مدارس فنية ملحقة بمصانعهم وأيضاً للشركات الكبرى، حيث توفر للطالب فرص تعلم وعمل وبالتالى تجذبهم للتعليم الفنى؟ لماذا لا نفتح الباب للقطاع الخاص لإنشاء جامعات تكنولوجية ومعاهد فنية؟ هل يجوز للحكومة تملك جامعات وبرامج بمصروفات للإنفاق على التعليم المجانى؟
المواطن الفقير ينفق على الدروس الخصوصية 5 آلاف جنيه سنوياً ولن يمانع من دفع نصفها للدولة فى مقابل قيام المدرسة بدورها فى التربية والتعليم، وبهذا يرحم أبناءه من مراكز الدروس الخصوصية والوجود فى الشوارع طوال اليوم، الموضوع خطير ويتعلق بمستقبل البلد ويحتاج إلى حلول جراحية بعيداً عن المسكنات التى كانت تحدث فى الماضى، وإلى أفكار قابلة للتطبيق وبسرعة والاستفادة من تجارب الآخرين وأهمها توجيه الطلاب للتعليم الفنى والتكنولوجى وعدم اعتبار المجموع أساس الالتحاق بالجامعة، فهناك طلاب مصريون بـ70% تفوقوا فى كليات الطب والهندسة بأفضل جامعات أوروبا.