أتعرفون من هو الفلوطة؟
هو شخص حتمًا تعثرت فيه بحياتك اليومية والعملية، هو الشخص المقتنع بنفسه زيادة عن اللزوم، الذي يظن أنه محور الكون وجميع المخلوقات والكائنات الحية تهتم بأدنى شؤونه؛ ومن ثَم ينظر لهم هو نظرات شفقة وكأنهم لا يدركون مدى الضغوط التي يتعرض لها هذا الفلوطة حتى يتعامل مع أمثالنا الغلابة.
الشخص الفلوطة، هو أيضًا الذي تترسخ داخله عقيدة أنه يعلم ما لا تعلمون، هو ينشغل دائمًا بأمور نحن لا نعلم عنها شيئًا، ويتعامل معنا من منظور أنه يفضل كتم أسراره وهمومه داخله؛ لأنه اعتاد أن يتحمل الهموم وحده، ولكنه ما يلبث أن يرتدي هذا القناع حتى يخلعه ويظل يحدثنا عن بحر المتاعب الذي غرق فيه؛ بسبب أمثالنا من الجنس البشري.
الشخص الفلوطة، دائمًا مشغول رغم كونه مشغول باللاشيء، دائمًا ما تجده يحدثك عن ضيق الوقت وكثرة الالتزامات وصعوبة الحياة حتى أنه لا يجد متسعًا لأخذ الدواء أو الذهاب إلى الطبيب، وأنت يا عيني تنظر له نظرة تحمل سؤال: «ضيق وقت ايه؟ انت بتعمل إيه في حياتك أصلا»؛ ومن هنا هو فلوطة، هو لا يفعل شيئًا ويوهم الجميع أنه يفعل كل شيء وحده.
الشخص الفلوطة، دائم التحرك والانتشار، تجد دائرة علاقاته في ازدياد واتساع مستمر، تضم كل الناس من مختلف الأنماط والأعمار والمستويات؛ وهذا ليس ذكاءً اجتماعيًا منه على الإطلاق؛ ولكنه يستغلهم في معرفة آخر المستجدات إرضاءً لفضوله، ويضعهم في حافظته لعل وعسى أن يحتاج لهم في شيء، كما يعتبرهم درعًا حاميًا له، فمع أول خلاف لك مع هذا الشخص الفلوطة؛ ستجد كل رجاله ينظرون لك بحنق وضيق وكأنهم يريدون الثأر للفلوطة منك.
الشخص الفلوطة، هو الذي يتفنن في «الفَتي» (بفتح الفاء)، ولكنه يفتي بطريقة مبتكرة؛ ألا وهي التحدث بلباقة وببعض المصطلحات العلمية الضعيفة، وباستحضار تجارب سابقة واهية.. فتجده يقول لك: «أنا رفضت رئاسة مجلس الوزراء مرتين قبل كده، ودائمًا يستعينون بي من أجل تقديم النصيحة، كل هذا فضلا عن العروض التي تنهال عليا من الدول الأجنبية لكني برفض»، وهنا بشكل تلقائي تجد نفسك عزيزي القارئ تنظر للفلوطة وتقول له: «على إيه لامؤخذة؟ وقاعد معانا ليه بقى ع الخبرة والكفاءة دي؟ وليه يا معلم بترفض العروض دي؟».
وحتمًا يرفضها كي يظل يفتي ويفتي ويفتي، ويمارس هوايته المفضلة في التعالي والتحدث معك من برج عالِ.
الشخص الفلوطة، هو شخص «مُبالغ» بالفطرة، إذا صرف جنيهًا أخبرك أنه يصرف آلاف الجنيهات، وإذا تعرض لدور برد خفيف كتب عن الوعكة الصحية المفاجئة التي تعرض لها، والليالي السوداء التي سهرها في المستشفيات، وفريق الأطباء الذي فشل في تشخيص حالته.
الشخص الفلوطة، هو الأكثر اقتناعا بنفسه، هو الذي يقتنع أن بيده مفاتيح حل ألغاز الكون ومشكلاته ولكننا لا ندرك قيمته الحقيقية، هو من يحتقر عقليتك التي لم تصل للحلول الفزّة التي يمتلكها هو ولا يعطي لنفسه احتمالية فشل هذه الحلول أو عدم جدواها من الأساس، فهو لا يغض البصر هو آولئك الذين ساروا نفس الطريق قبله واحتكوا بنفس الحلول، وهنا يظهر سلاح الخبرة في مواجهة ادعاءات الفلوطة.
إذن.. ما هي خطورة الكائن الفلوطة؟ ولماذا وجب توخي الحذر منه؟
خطورة الكائن الفلوطة لا حدود لها، أولها تكمن في استنزاف طاقتك الداخلية؛ فهو كائن مُزعج يكره الاستقرار، يختلق الأزمات، يشحن الأجواء، يتغذى على النميمة، يتعمد إساءة الفهم، يستنزفك في تحمله والتعامل معه وإصلاح ما أفسده.
وبعيدًا عن الآثار السلبية التي يتركها بداخلك، فالكائن الفلوطة هو أسوأ من صديقك الكاذب؛ فالفلوطة لا يقول الحقيقة وأيضًا لا يكذب، بل يقول نصف الحقيقة فقط ويكتفي بها؛ ما يجعل البعض يصدقون أي ادعاء له على الآخرين؛ ومن ثم تجد نفسك صوب الاتهامات والنظرات، وإما أن تبذل جهدا إضافيا -غير مُجدي- في كشف الحقيقة وتوضيح موقفك، أو تفوّض أمرك إلى الله في انتظار اللحظة التي سيتكشّف فيها هذا الكائن الفلوطة للجميع.
الكائن الفلوطة هو الشخص العصفورة الذي ينقل المعلومات للمدير، ولا يكتفي باصطياد التصريحات الغاضبة ونقلها، ولكنه أيضًا يضع التاتش الخاص به؛ فتجده منفعلا غاضبا يصوّر الجميع كشياطين بينما هو الملاك الوحيد في هذه المؤسسة.
الكائن الفلوطة ممثل فاشل، يصطنع أمامك التعاطف معك، ولكنه في الحقيقة يريد أن يضمك للشلة التي ينغمس فيها ويجندها للدفاع عنه وقت الأزمات.
الكائن الفلوطة خبيث، يداعبك وأثناء الهزل يلقي لك بكلمة تنم عن السواد المخبئ داخله، وحينها لن تستطيع مهاجمته وإلا أصبحت تتعمد إساءة الفهم وتهين الآخرين.
أعزائي..
ثقوا تماما على ضرورة مراجعة أنفسكم جيدًا قبل النظر للآخرين وانتقادهم، وما سبق هو ليس شخصًا واحدًا ولكنه أسلوب حياة لدى البعض، كثيرون أرهقونا بسلوكهم الذي لم يعد يُحتمل، واليوم آن الأوان أن نعتزل ما يؤذينا، وقد يكون هذا المقال هو بداية إعادة النظر في شأن كثيرين من الفلوطة.. فاللهم اهدنا وباعد بيننا وبين كل فلوطة يارب.