عام على رحيلك يا زعيم ولم أستطع أن أكتب عنك كلمة واحدة من هول الصدمة منذ أن فارقتنا، نعلم نحن أبناء حزبك أنك تشعر بنا وسعيد فى مكانك وأنك على يقين أن المتأسلمين لن ينتصروا على وطن سُجنت من أجله أكثر من 13 عاماً، وكنت تضحى بلذة العيش بين أبنائك ومع حبيبتك «ليلى» من أجله، واسمح لى يا «ريس» أن أكتب عن مواقفك مع شباب حزب التجمع وهم كانوا فى عمر أحفادك لم يعرفها إلا من عاش معك وتعلم منك، فأنت كنت ترفض وتغضب من أى إنسان يحاول أن يقدسك أو يتحدث عن نقائك وإنسانيتك وقلبك الذى كان ينبض شباباً دائماً وأبداً، فأخشى أن أقول إنك كنت كالملائكة فيغضبوا منك وأنت تعيش معهم الآن.
فى صباح أحد الأيام بعد ثورة يناير بشهور قليلة وقفت فى أحد المؤتمرات العامة للحزب أهتف قائلاً: «يسقط يسقط السعيد» اعتراضاً على فشل المؤتمر العام للحزب لعدم اكتمال النصاب ورغم إدراكى فيما بعد أننى كنت على خطأ بعد أن كبرت وفهمت، فنظر لى الزعيم حينها نظرة حانية وكأنه يريد أن يقول لى «فعلت من أجل حزبنا ومصر كثيراً ولن أغضب من حماسك وسأتحمل (غتاتة) صغر سنك»، وبعد فترة قصيرة لم نهدأ لأننا لم نُعاقب ولم نفهم أننا كنا على خطأ لأنه تركنا نتعلم وحدنا مثلما اعتاد أن يفعل، فقد قمنا أنا وعدد من زملائى بالاستيقاظ مبكراً ووصلنا أمام مقر الحزب فى وسط البلد فى السابعة صباحاً قبل ميعاد وصوله المعتاد بنصف ساعة، لكى نغلق باب مدخل الحزب بـ«الجنازير» ولا يستطيع أن يدخل وننتصر على «رفعت السعيد» وندير نحن الحزب، وقبل أن نقوم بإغلاق الباب مباشرة عرفنا أنه يجلس فى مكتبه ويطلب لقاءنا، ولم نعرف كيف علم كل شىء ومن الخائن بيننا، فترددنا كثيراً ثم قبلنا اللقاء وتحدث معنا كثيراً رغم الأسلوب غير المهذب الذى تحدث به بعضنا وهو لم يعتد على أن يُقابل الإحسان بالإساءة لاسيما أنه لم يجلس فى موقعه سوى فترتين رئاسيتين ولم يمدد لنفسه حتى نفعل كل ذلك، ولكنه كان يوازن كل شىء رغم قسوة الصراع داخل الحزب بين أطراف كثيرة، وقال لنا بعد أن وضح لماذا فشل المؤتمر، وأنا شخصياً بدأت أقتنع أن هناك من يحركنى للانتقام ويستغل صغر سنى واندفاعى: «أنتم فى عمر أحفادى وأنصحكم بالقراءة كل يوم ولو لساعة».
استمعت لنصيحته وحرصت على القراءة أكثر واتضحت الصورة بتفاصيلها أمام عينى ونجح «السعيد» فى أن يجمع حوله أعضاء حزب لم يفقد البوصلة منذ أن قامت ثورة يناير، فأعضاؤه كانوا ضد الإخوان الإرهابيين قبل قيام الثورة وحذروا من وصولهم للبرلمان والسلطة، وكان «الجد» أول من وقف ضدهم بعد أن حكموا مصر فى غفلة من الزمان ولم يكن ذلك غريباً عليه.
ورغم العداء المتواصل مع «الجد» إلا أنه سمح لى بحضور اجتماعات الأمانة المركزية التى تعقد كل أسبوع بحضور رئيس الحزب والقيادات واختارنى ممثل الحزب فى جبهة الإنقاذ عن الشباب وكنت أحضر معه كثيراً من اجتماعات المكتب السياسى وكان يحرص على أن يتركنى أتحدث ويستمع لحديثى بانتباه، وقبل ثورة 30 يونيو بيومين قرأت بيان تنسيقية 30 يونيو فى بيت الأمة حزب الوفد فقابلنى بعد المؤتمر فى اجتماع جبهة الإنقاذ وقال لى: «طبعاً يا عم ماحدش هيعرف يكلمك» وقرأت فى عينيه سعادته الكبيرة فلقد رأى أحفاده يصرخون فى وجه جماعة الإخوان الإرهابية التى ناضل ضدها منذ أن كان صبياً.
وبعد نجاح ثورة 30 يونيو حصلت أنا وأستاذى محمود عبدالله على حكم فى دعوى قضائية قمنا برفعها ضد جماعة الإخوان وأصبحت إرهابية بحكم قضائى وصودرت ممتلكات وأموال أعضاء الجماعة، فوقف يتحدث عن أهمية الحكم فى المؤتمر ثم انتظر يستمع كلمتى وقال للمتحدثين «انجزوا عشان علاء يلاقى كلام يقوله»، وكان يريد أن يكرمنى ويعطينى حقى ويخشى ألا أجد ما أقوله بعد كل ما قيل من قيادات الحزب، وتأخرت الكلمة بسبب كثرة المتحدثين ما يقرب من 40 دقيقة وبسبب كبر السن وعدم قدرته على الوقوف قال لى: سأنزل من على المنصة، فتصورت أنه سيترك القاعة ويمضى، ولكننى فوجئت به يجلس فى الصف الأول وانتظرنى وبعد أن انتهيت صفق لى تشجيعاً وحباً وكأنه لا يتذكر كل ما فعلته معه من أخطاء وخطايا ثم وضع يده على ظهرى وقال «خفت عليك ألا تقول كلمة جيدة بسبب كثرة المتحدثين ولكن برافو».