د. ماجد خشبة: مشروع قناة بحيرة فيكتوريا يغير وجه الحياة فى أرض الفراعنة.. ويجعل خلافاتنا مع إثيوبيا «شيئاً من الماضى»
د. ماجد خشبة
قال الدكتور محمد ماجد خشبة، أستاذ الإدارة والتخطيط الاستراتيجى بالمعهد القومى للتخطيط والمعد الرئيسى للدراسة: إن هدف مبادرة «الحزام والطريق» هو تصريف منتجات الصين، التى تمتلك دولاب إنتاج ديناصورياً، ليس له مثيل فى التاريخ، من خلال إقامة شراكات ومشروعات ضخمة فى دول المبادرة. وأوضح فى حواره لـ«الوطن» أن حاجتنا إلى الصين، التى تحرص على شعار «نستفيد وتستفيد» تتجاوز مجرد تصنيع الثلاجات وشاشات التليفزيون على أراضينا، إذ يمكننا التعاون فى مشروعات كبرى فى مجالات البنية التحتية والطاقة المتجدّدة والزراعة تلبى طموحات البلدين. وأشار «خشبة»، على وجه الخصوص، إلى مشروع قناة بحيرة فيكتوريا الذى يتكلف نحو 12 مليار دولار، ويمكنه -إن قبلت الصين تمويله وتنفيذه- أن يغير وجه الحياة فى مصر، ويجعل خلافاتنا مع إثيوبيا شيئاً من الماضى، وإلى نص الحوار..
المعد الرئيسى للدراسة: «الجمهورية الشعبية الأكبر» تملك دولاب إنتاج «ديناصورى».. وهدف «الحزام والطريق» تصريفه
أنا كأستاذ تخطيط معجب بالنموذج الفذ من التخطيط الاستراتيجى للصين، لأنه نجح فى أن يزاوج بين مصالحه ومصالح الدول الأخرى، ويساير العالم فى دعم أهداف التنمية المستدامة، فى الوقت الذى تخرج فيه أمريكا من اتفاقية المناخ، مع أنها أكبر ملوث للبيئة فى العالم، وأنا معجب أيضاً بالصينيين، لأنهم درسوا العالم جيداً على أرض الواقع، وفى قريتى شربين مثلاً منذ أكثر من 10 سنوات، جاء بعِض الصينيين إلى القرية، واستأجروا مسكناً واتخذوه مقراً لتسويق منتجاتهم، وكذلك فعلوا فى كثير من قرى مصر. ويبقى علينا نحن أن نحاول أن نفهمهم كما فهمونا.
الصين تقدم نموذجاً فذاً
ماذا تريد الصين من «الحزام والطريق»؟
- «الحزام والطريق» إحياء لطريق الحرير القديم الذى صنعته الحضارة الصينية، والصينيون يشعرون أنهم يستحقون أن يكونوا اللاعب الرئيسى فى تشكيل النظام العالمى الجديد، لأن لديهم مخزوناً حضارياً.. ويريدون إحياء المجد الذى كان قائماً. وحتى لا يكون الحديث عن المخزون الحضارى مجرد كلام إنشائى، وضعوا مشروعات محددة، فى إطار المبادرة، وصنعوا لها أدوات تمكنهم من قيادة العالم مرة أخرى.
وما هذه الأدوات؟
- كثيرة ومتعددة، وفصّلناها فى الدراسة، فهناك أدوات اقتصادية تتمثل فى 6 ممرات برية وبحرية تربط آسيا وأفريقيا وأوروبا، وفى هذه الممرات مشروعات بنية تحتية ضخمة، فيها طرق وسكك حديدية وموانئ ومحطات طاقة وشبكات عملاقة للإنترنت وأنابيب غاز ونفط تمر عبر هذه الدول لتكون البديل العصرى لقوافل الخيول القديمة. ومصر تقع على أحد هذه الممرات.
وهناك أدوات مالية، أبرزها البنك الآسيوى للبنية التحتية، ومصر عضو مؤسس فيه، وهناك أدوات سياسية، من بينها دبلوماسية القمة، التى يقوم فيها الرئيس الصينى بنفسه بالترويج لهذه المبادرة من خلال لقاءات مباشرة له مع زعماء العالم، وكان أحدثها فى منطقتنا بعد زيارته لدولة الإمارات العربية، وهذا اختراق جديد للدبلوماسية الصينية، وهناك منتديات سنوية مع كل دول المبادرة، ومنها المنتدى الصينى العربى، والمنتدى الصينى الأفريقى الذى سيُعقد خلال أيام.. أضف إلى هذه الأدوات وسائل القوى الناعمة التى يمكن أن ترصدها فى توسع الجانب الصينى فى إنشاء فروع لمعاهد كونفوشيوس، واستقطاب أعداد كبيرة من طلاب الدول النامية للدراسة والتدريب الفنى، وزيادة النشاط السياحى من الصين لكل دول العالم.
رغم اختراق الصين الكثير من دول أفريقيا لكنها ما زالت فى حاجة إلى مصر الآمنة والمستقرة لتكون نقطة عبور لدول القارة
لماذا وصفت زيارة الرئيس الصينى للإمارات بأنها اختراق جديد للدبلوماسية الصينية؟
- هى اختراق، لأنه وقع 13 اتفاقية مختلفة، نقلت مستوى التعاون بين البلدين، لأن الشراكة الاستراتيجية كانت فى بلد حليف للولايات المتحدة، وهى اختراق جديد لأنه سبقته اختراقات أخرى فى مناطق النفوذ الأمريكى، ويكفى أن تعرف أن هناك 18 دولة أوروبية منضمة لمبادرة «الحزام والطريق»، بالإضافة إلى الهند وإسرائيل، وكل هذه الدول وغيرها حلفاء راسخون لواشنطن، لأن الصين أغرتها بتوجه جديد خلاصته «أنا أستفيد وأنت تستفيد»، فى الوقت الذى تريد فيه واشنطن فرض مصالحها بالقوة على الجميع.
وما الذى يعود على الصين من تمويل وبناء هذه المشروعات؟
- الهدف الأساسى من المبادرة هو توسّع مجالات التبادل التجارى مع دول العالم، وهى تعلم علم اليقين أنها ستظل صاحبة اليد العليا فى هذه العلاقات، بحكم تفوقها فى الإنتاج، فلدى الصين دولاب إنتاج ديناصورى ليس له مثيل فى التاريخ. ولا بد من تصريف هذه الطاقة. وكان يمكنها الاستمرار فى تصدير منتجاتها لكل دول العالم، اعتماداً على انخفاض أسعارها، لكنها أكثر طموحاً من ذلك، فهى تريد إدخال دول المبادرة فى شراكات معها، فبدلاً من أن تبيع لك مثلاً أجهزة المحمول، هى تريد أن تبنى مصانع المحمول لديك، مما يعنى أن فرصتها أكبر بكثير من أن تستحوذ منتجاتها على كل سوقك، وليس حصة منها فقط. لكنها فى نفس الوقت تريد أن تفعل ذلك من خلال شراكات معها تعود بالفائدة على البلدان الأخرى، ولا تصطدم معها. ولا تنسى أن الصين نفسها سوق استهلاكية خرافية، وتستورد سلعاً بنحو تريليون دولار سنوياً، مما يعنى أنها ترحب بأن تستورد منك إن كان لديك ما تصدره.
ومن وجهة نظرك، كيف يمكن أن نحقق أكبر فائدة ممكنة؟ وما هى الأضرار المتوقعة أساساً؟
- اقتصادياً، كما رصدت زميلتنا أسماء المليجى، فإنه من المتوقع زيادة عجز الميزان التجارى لصالح الصين، لأن أحد أهداف المبادرة إلغاء التعريفة الجمركية بين الدول المنضمة إليها، ويمكن تفادى ذلك بعدة طرق، منها توطين أكبر عدد ممكن من الصناعات التى نستورد منتجاتها من الصين، مثل الأجهزة الكهربائية وغيرها، لكن حاجتنا للصين تتجاوز تصنيع الثلاجات وشاشات التليفزيون.. هذا مهم، لكن الأهم هو المشروعات الكبرى التى تلبى طموحات واحتياجات البلدين، مثل مشروعات الطاقة الشمسية مثلاً، فالصين أكبر منتج فى العالم للطاقة الشمسية، ويمكن أن نستفيد من خبراتها فى الزراعة، خصوصاً فى المناطق القاحلة. ما أقصده أن توطين التكنولوجيا الصينية أمر مهم، لكن يجب أيضاً أن نطرح على بكين مشروعات عملاقة تفيدنا وتفيدهم، ومنها مشروع قناة بحيرة فيكتوريا، التى تمر بعدة دول، ويمكن أن تقيم على جانبيها مشروعات هائلة. ودور الصين لن يقتصر على التمويل، لكن الخبرة فى تنفيذ هذا النوع من المشروعات، حيث إن لديهم بالفعل إنجازات تشبه المعجزات فى المشروعات الكبرى للبنية التحتية.
حاجتنا للصين تتجاوز تصنيع الثلاجات وشاشات التليفزيون ويمكننا التعاون فى مشروعات كبرى تلبى طموحات البلدين
وما سبب حماسك لهذا المشروع؟
- لأنه يستطيع تغيير وجه الحياة فى مصر، وسيجعل القلق من سد النهضة شيئاً من الماضى، لأنك ستحصل على كميات هائلة من البحيرة، بعد أن تصب فى مجرى النيل الذى يصلك.. هذه الفوائض كانت تذهب إلى المحيط، فضلاً عن إمكانية مشروعات كثيرة تفيد الصين ودول أفريقيا على جانبى القناة الجديدة، تكلفة المشروع نحو 12 مليار دولار، ومصر دفعت تكاليف دراسة الجدوى، التى تكلفت نحو 600 ألف دولار.
كيف تنظر إلينا الصين؟
- الكتابات الكثيرة عن المبادرة ربما لا تعطى اهتماماً كبيراً للمنطقة العربية.. وتركز على آسيا فى المقام الأول وأوروبا فى المقام الثانى. لكن على المستوى الرسمى الرئيس الصينى يعتبر أن المنطقة العربية حاكمة ويُوليها اهتماماً كبيراً وقد يكون للسياسيين توجه ونظرة مختلفة عن الأكاديميين، ومن المهم جداً أن ننتبه إلى المستوى الرمزى للمبادرة، ونستفيد منه، فالحديث فى الصين يركز على أن هذه المبادرة هى مبادرة حضارات العالم القديم، ويشير تحديداً لحضارة وادى النيل، وهم يحترمون مصر كثيراً. وحتى لو كانت المسارات الأخرى أكثر أهمية من مسارنا، فعلينا أن نطرح أنفسنا بقوة ونتعلم من إسرائيل، التى لم يكن لها دور يُذكر فى المبادرة، لكنها بادرت وانتزعت دوراً مهماً، وتحولت من مستفيد محتمل إلى شريك أساسى، ويجب علينا أن نستغل عبقرية موقع قناة السويس، التى لم يسبق أن استفدنا منها، وأن نحولها إلى نقطة عبور لمنتجات مصانعه عندى إلى دول العالم خصوصاً أفريقيا.
لكن الصين ليست فى حاجة لنا كبوابة لأفريقيا، لأنها اخترقت معظم الأسواق هناك، وهى من طورت موانئ هذه الدول.
- قناة السويس يمكن أن تضاعف ميزاته فى أفريقيا. وهو فعلاً طور معظم الموانئ فى دول أفريقيا، لكن صعب على المستثمر الصينى أن يأمن على استثمارات بمئات المليارات وأن يوطن صناعاته فى دول غير مستقرة أمنياً، لكن يمكن أن يوطنها لديك، لأنك مستقر أمنياً. فى الدول الأخرى يكتفى بمشروعات بنية أساسية يصعب تخريبها فى أى فوضى قد تعم فى بعض هذه الدول، أما مصر فهى مستقرة أمنياً، ويمكن من خلالها أن يصل إلى كل دول أفريقيا بنصف تكلفة إرسال بضائعه من الصين إلى هذه المنطقة.
«خشبة» و«هبة» يتحدثان لـ«الوطن»