د. هبة جمال الدين: بكين حريصة على علاقات متميزة مع القاهرة.. لكننا «نقدم رجلاً ونؤخر الثانية».. وأديس أبابا سبقتنا كمركز لصناعة معدات الطائرات
د. هبة جمال الدين
قالت الدكتورة هبة جمال الدين، عضو مجلس الشئون الخارجية: إن بكين حريصة على علاقات قوية مع مصر، لكننا لأسباب غير مفهومة لا نتعاطى بحماس مع «الطريق والحزام» و«نقدم رجلاً ونؤخر أخرى». وأضافت فى حوارها لـ«الوطن» أن صعود الصين يمثل فرصة ذهبية لنا، وانضمامنا لـ«شنجهاى والبريكس» يوفر لنا مزايا اقتصادية وسياسية كثيرة. وأوضحت أن هذا الصعود يوفر لنا مساحة جيدة للضغط على واشنطن والحصول على مزايا فى علاقاتنا معها. وتابعت أننا يمكننا الاستفادة سياسياً بشكل كبير جداً من طريق الحرير، فبكين فى وضع يؤهلها لإجراء مصالحة بين «الرياض وطهران»، ومستعدة للوساطة بيننا وبين إثيوبيا فى «سد النهضة»، وإلى نص الحوار..
عضو مجلس الشئون الخارجية: صعود الصين فرصة ذهبية لنا وانضمامنا لـ«شنجهاى والبريكس» يوفر لنا مزايا اقتصادية وسياسية متعددة
ماذا تريد الصين من طريق الحرير سياسياً؟
- تريد أن تكون المساهم الرئيسى فى تشكيل النظام العالمى الجديد، العالم يمر بمرحلة مخاض سينتج عنه ميلاد نظام جديد تحاول الصين أن تكون قطباً جديداً فى قيادة العالم مع الولايات المتحدة. وهذه الرغبة هى أحد أسباب اندلاع الحرب التجارية بين البلدين.
لماذا لم يرتقِ مستوى التعاون بيننا وبين الصين إلى نفس المستوى الذى حققته دول أخرى مع بكين؟
- المشكلة من ناحيتنا، هم يعطوننا وضعاً مميزاً لنا باعتبارنا من أصحاب الحضارات القديمة مثلهم، لكنهم يشكون من أننا لا نتعاطى بحماس مع المبادرة و«نقدم رجلاً ونؤخر أخرى»، فى الوقت الذى قطعت فيه دول أفريقية شوطاً كبيراً فى تعظيم تعاونها مع الصين مثل نيجيريا وتنزانيا وكينيا وإثيوبيا. وباتت كينيا تعرف الآن فى مبادرة «الحزام والطريق» بـ«البلد السعيد»، لأنها استقطبت استثمارات ضخمة، أما إثيوبيا فستكون مركزاً لتصنيع معدات الطيران، فضلاً عن استثمارات تجاوزت المليار دولار تربط سد النهضة بالعاصمة أديس أبابا.
وما سبب تردّد صانع القرار المصرى فى القبض على يد الصين الممدودة إلينا؟
- هذه علامة استفهام كبيرة، هناك طبعاً تعاون متزايد بين البلدين، لكنه ليس على المستوى المطلوب، وخطة مصر 2030 لا توجد فيها أى إشارة مثلاً إلى موقفنا من مبادرة «الحزام والطريق»، كما أننا لم نسعَ حتى الآن لاستغلال نفوذ الصين المتنامى فى المنطقة سياسياً، يجب أن نتعلم من إسرائيل، هذه الدولة الصغيرة تقدم نفسها كشريك، وكانت جاهزة من اللحظة الأولى بأجندة واضحة، فماذا عنا؟
وكيف تقترحين أن نفعل ذلك؟
- على المستوى المحلى، تمتلك الصين نفوذاً كبيراً على إثيوبيا، بل شاركت فى تمويل سد النهضة، وأقل ما يمكن أن تفعله هو أن تتوسّط بيننا وبينهم لتقريب وجهات النظر فى الخلاف الدائر حول سد النهضة. كنت فى الصين مؤخراً وطرحت الفكرة على بعض المسئولين ورحبوا بها إن لم يكن المسئولون فى مصر يعارضون هذه الوساطة.
وعلى المستوى الإقليمى، بكين فى وضع جيّد لتقريب وجهات النظر أيضاً بين السعودية وإيران، بحكم ما تملكه من علاقات ومصالح كبيرة فى البلدين وخطط لمشروعات أكبر تقتضى استقرار المنطقة التى يُفتّتها الصراع السنى - الشيعى. ومن المهم أيضاً أن يلعبوا دوراً فى دعم حقوق الشعب الفلسطينى.
ما طبيعة العلاقة الآن بين إسرائيل والصين؟
- هناك تقارب كبير ومستمر بينهما، إحدى علاماته إحياء الصين مؤخراً ذكرى المحرقة اليهودية، وتزايد أعداد السائحين هناك. وأحد أهداف إسرائيل أن تغير الصين موقفها التاريخى المؤيد للعرب خلال الفترة المقبلة، وهى تستغل مبادرة الحزام والطريق على أفضل ما يكون لتحقيق ذلك.
«دولة التنين» تروج لنظرية «الصعود السلمى» وتقدم نفسها كحليف تنموى.. والأمريكان يؤمنون بأن بزوغ أى قوة جديدة لا بد أن يكون عبر الدم
وكيف فعلت ذلك؟
- إسرائيل أدركت أهمية المبادرة مبكراً، علماً بأنها لم تكن فى البداية جزءاً من طريق الحرير، لكنها استغلت الفوضى التى أعقبت ثورة 25 يناير، وأدخلت نفسها من خلال مشروع بديل لقناة السويس هو خط سكة حديد «إيلات - أشدود» الذى يربط بين البحر الأحمر والمتوسط، ثم بدأت تسوق لقدراتها، ليس كمستفيد، وإنما كشريك متفوق تكنولوجياً، وتوفر للصين تكنولوجيا عالية منخفضة التكاليف لتطوير أقاليم صينية لم تصلها التنمية بعد، وتعرض عليها أيضاً مساهمات علمية فى إطار المبادرة، فإذا كان هناك مثلاً مشروع سكة حديد فى أحد ممرات الطريق تعرض هى تنفيذه أو المساهمة فى تنفيذه بتكنولوجيا أفضل وأرخص. وبعض المسئولين الصينيين أكدوا لى أنهم استفادوا من التكنولوجيا الإسرائيلية الرخيصة، خصوصاً فى الزراعة والرى لتنمية المناطق الريفية الفقيرة، فضلاً طبعاً عن تكنولوجيا الأسلحة.
ووفقاً لدراسة فرنسية حديثة، فإن إسرائيل من أكثر الدول استفادة من خفض التعريفة الجمركية بين دول المبادرة، فضلاً عن أن المبادرة تُسهل انتقال البضائع والأيدى العاملة بين الدول الموقعة عليها، مما يعنى تغلغل إسرائيل أكثر فى دول الجوار، ويزيد فرص التطبيع معها. لكن حتى الآن بكين تدعم حل الدولتين وحقوق الفلسطينيين. ويجب أن تكون رسالتنا إلى الصين بأنكم إذا لعبتم دور الولايات المتحدة مع إسرائيل، فسوف تخسرون العرب، ولن يتحقق الاستقرار الذى تريدونه فى المنطقة لحماية مصالحكم.
لكن كيف يمكن أن يكون خط سكة حديد بديلاً عن قناة السويس؟
- مبادرة الحزام والطريق تعتمد على وجود بدائل متعدّدة يتم اللجوء إليها فى حال انسداد أحد الشرايين الرئيسية للتجارة، وخط إيلات - أشدود ليس بديلاً كاملاً عن قناة السويس.
فما زال لها مزايا نسبية، مثل عمق الغاطس الذى يسمح بمرور حاويات الصين العملاقة، كما أن النقل البحرى أقل فى التكلفة، لكن يمكن أن يتحول الخط إلى منافس على الأقل فى حالة الأزمات. ثم إن إسرائيل لا تهدأ فى محاولاتها ضرب قناة السويس، وانتهت بالفعل من المرحلة الأولى من مشروع قناة البحرين الذى يموله البنك الدولى، وللأسف نحن أقل منهم تطوراً فى تقديم الخدمات اللوجيستية ومستوى العمالة الماهرة.
هل يمكن أن يؤدى تقاربنا مع الصين لتوتر فى علاقاتنا مع الولايات المتحدة؟
- الصينيون على المستوى السياسى يمنحوننا فرصة لتصحيح مسار علاقاتنا مع الأمريكان، الذين باتوا يضغطون بشكل فج لتحقيق مصالحهم دون مراعاة مصالح واعتبارات الآخرين، فمثلاً قللوا المعونة وهدّدوا بقطعها أكثر من مرة، وقرروا الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقلوا سفارتهم إليها، ولا يتردّدون فى فرض عقوبات حتى على حلفائهم. الحل فى الاستعانة بقوة أخرى مناوئة، فحين يكون هناك أكثر من قطب تستفيد الدول النامية مثل مصر، ويزيد هامش المناورة أمامها، وهذا ما تفعله دول أفريقية أخرى. فماذا ننتظر؟ يجب أن نساوم بصعود الصين، حتى نحصل على موقف أقوى أمام الأمريكان. وإذا فعلنا ذلك، فلن نكون حالة فريدة، فقد سبقنا إلى ذلك حلفاء أقرب للولايات المتحدة، مثل إسرائيل والهند و18 دولة أوروبية، انضمت إلى مشروع الحزام والطريق. وأعتقد أن صعود الصين يمثل فرصة ذهبية لنا، كما أن انضمامنا لمجموعتى «شنغهاى والبريكس»، إن نجحنا فيه، سيوفر لنا مزايا اقتصادية وسياسية كثيرة. لكن الحادث أننا نتعامل بسياسة رد الفعل فى ما يتعلق بالصين، ويبدو أننا غير مدركين لحجم الفرصة.
وهل تحارب واشنطن مشروع «الحزام والطريق»؟
- أمريكا تدرك أنها لا تستطيع إيقاف الصعود الصينى، وتتعاطى معه بثلاث طرق: تعاون واحتواء وتصعيد. فهناك تعاون اقتصادى على نطاق واسع، وكثير من الشركات الأمريكية تصنع منتجاتها فى الصين بسبب انخفاض التكاليف. وهناك احتواء على صعيد آخر، فهم مثلاً لا يسعون لإجهاض مشروع «الحزام والطريق»، لأن تنمية الدول الفقيرة تساعدها فى شراء البضائع الأمريكية، كما أنهم سعداء بالتعاون مع بكين فى ملف مكافحة الإرهاب فى هذه الدول، لكنهم وضعوا خطوطاً حمراء، منها منع بيع الأسلحة الصينية لهذه الدول، وعدم المساس بالمصالح الأمريكية، خصوصاً فى المناطق التى تستضيف قواعد عسكرية. ومع التعاون والاحتواء، هناك تصعيد فى قضايا أخرى، كما هو الحال فى بحر الصين الجنوبى، وفى بعض ملفات التجارة الخارجية.
يجب أن نتعلم من تل أبيب التى كانت جاهزة من اللحظة الأولى للمبادرة بأجندة واضحة وقدمت نفسها كشريك وليس مجرد نقطة عبور على «الطريق»
ما الفرق فى السياسات الخارجية بين بكين وواشنطن؟
- الصين تقدم نفسها كشريك تنموى للدول الأخرى، وتتفاوض مع هذه الدول بمنطق «أستفيد وتستفيد»، وحين تقدم منحاً لا تكون مشروطة، وتسعى لمراعاة خصوصيات الدول واحترام ثقافاتها المختلفة. فمثلاً حين غضب الناس فى كينيا بسبب استقدام نسبة كبيرة من العمالة الصينية للعمل فى مشروعاتهم هناك، استجاب الجانب الصينى وقلل النسبة. وحين كنت فى الصين لاحظت لوحة كبيرة أعلى الفندق الذى نزلت فيه تحمل نجمة داوود، فقلت لبعض المسئولين هناك إن هذه النجمة تؤذى العرب والمسلمين، ورغم تأكيدهم أن هذه النجمة هى شعار للعمالة الصينية، إلا أنهم استجابوا سريعاً ووعدوا برفعها.
أضف إلى ذلك أن سياسة الصين المعلنة هى عدم التدخل فى شئون الآخرين، وتاريخياً تدعم بكين العرب وتساند حقوق الفلسطينيين. فى المقابل الأمريكان يتخذون موقفاً مضاداً لكل ما ذكرت، ويريدون أن يحملوا الجميع بالقوة على السير وفق ما يرونه، والأسوأ أنهم يلعبون دوراً واضحاً فى تفتيت الدول العربية.