كنت في رحلة قصيرة إلى اسكتلندا لأداء اختبار، ونظرًا لضيق الوقت ولأن الاختبار كان يوم السبت حيث معظم المحال مغلقة فبحثت على عجل على هدية أو أي شيء من اسكتلندا، على الأقل أعود لزوجتي وابني وأقول لهم لقد أحضرت لكم هذه من أوروبا.
كان الأمر عسيرًا، كلما أعجبني هناك نوع من الشيكولاتة أكتشف أنها متوفرة وبشدة في أي سوبر ماركت كبير، كل السلع أصبحت متوفرة أكثر من اللازم، في النهاية اخترت علبة شيكولاتة محلية الصنع عليها صورة قلعة ادنبره الشهيرة، طبعًا طعمها كان سيئًا جدًا ولكن على الأقل هي شيء يبدو أنه قادم من اسكتلندا وغير موجود في أي سوبر ماركت.
صار كل شيء متاحًا أكثر من اللازم.
شيء جيد أن يكون كل شيء متاحًا لأي شخص في أي مكان، ولكن لذلك ضريبة، لقد فقدنا متعة ولذة لا تعرفها الأجيال الجديدة.
لذة أن يأتي خالي من دمياط فيحضر لنا لفافة المشبِّك المعهودة، أنا لا أحب المشبِّك بلزوجته التي تظل في يديك وأسنانك -وربما ملابسك- طوال اليوم، ولكن عندما يذهب أحدهم إلى دمياط لا يستطيع أن يعود دون حلويات وعلى رأسها المشبك، وجود المشبك في المنزل في حد ذاته دليل دامغ يعتد به في المحاكم أن أحدهم كان في دمياط. الآن لو نزلت من بيتك لوجدت المشبك يباع عند أقرب محل حلويات ولكنك لن تفكر في شرائه ليس بسبب فارق الجودة -والفارق موجود بالفعل- ولكن لأنه فقد لذة عدم توفره.
فلان جاء من بورسعيد وأحضر شيكولاتة مستوردة أو فواكه محفوظة، فلانة ذهبت إلى المحلة لشراء أقمشة وملابس، هناك الحمص وتلك الحلوى البيضاء ذات الخطوط الحمراء التي تظهر عندما يعود أحدهم من طنطا.
كان الشخص يعود من الخليج معه منتجات غير متوفرة في الأسواق المصرية ويعود من مصر محملًا بأشياء غير موجودة في الخليج.
كان لكل بلد طابعها الخاص، حقًا كان الحصول على تلك الأشياء عسيرًا ولكن كان له لذته التي كانت لاتوصف.
مثال آخر؛ كنت ومجموعة من أصدقائي نتبادل قصص رجل المستحيل وملف المستقبل، كان الحصول على الأعداد القديمة صعبًا جدًا، رحلة بحث طويلة، سمعت أن العدد الثاني عند فلان، العدد التاسع عند فلان ولكنه يريد أن يبادله بالعدد الثاني، طريق صعب ولكن عندما تحصل على العدد الناقص وتمسكه بين يديك لكأنك نلت كنزًا.
كنت أحدد لعمي -رحمه الله- الأعداد الناقصة لكي يحضرها لي من شارع الفجالة ثم انتظر زيارته القادمة من القاهرة على أحرّ من الجمر. وحين وصوله أكون أول من يسلم عليه لأتسلّم كنزي المنتظر، الآن صارت القصص متوفرة في كل مكان ولا تجد من يقرأها.
حقًا لقد صارت الأمور أسهل كثيرًا الآن، تستطيع أن تحصل على أي شيء -مادمت تملك ثمنه- من أي مكان أو عن طريق الانترنت. ولكن الأشياء فقدت لذتها عندما فقدت الطابع المميز الذي كان يربطها بمكان معين أو زمان أيضًا؛ فالفواكه والخضروات لم يعد لها موسم معين وصارت متاحة طوال العام، الأشياء المرتبطة بمناسبات معينة لم تعد كذلك؛ الكنافة والقطايف في رمضان، كعك العيد، العاشورا، حلوى المولد..
كل ذلك صار متاحًا في أي وقت ففقد طابعه الزمني الذي كان يميزه.
لا شك أن الحياة صارت أسهل كثيرًا عن ذي قبل ولكنها بالمقابل فقدت الكثير من متعتها.