«السيسى» فى أكاديمية الحزب الشيوعى الصينى: لدينا توجُّه جاد لتحقيق نمو اقتصادى متسارع
الرئيس عبدالفتاح السيسي مع رئيس الحزب الشيوعي الصيني
قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، إن زيارته الخامسة إلى الصين تأتى انعكاساً لتطور العلاقات المتميزة بين البلدين، وتأكيداً للحرص على استشراف آفاق أرحب للتعاون، ليس فقط على الصعيد الثنائى، ولكن أيضاً بين الصين وأفريقيا، وبالأخص فى المرحلة المقبلة، حيث تتولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقى لعام 2019.
جاء ذلك خلال زيارته، أمس، إلى أكاديمية الحزب الشيوعى الصينى، حيث أعرب الرئيس عبدالفتاح السيسى عن سعادته للتحدث أمام الأكاديمية العريقة للحزب الشيوعى الصينى، بما تمثله من صرح أكاديمى رفيع، وبما تعبر عنه من مستقبل مشرق لأجيال الشباب الصينى المقبلة، التى تحمل على عاتقها مسئولية مواصلة تلك النهضة الكبيرة التى أذهلت العالم بنموذجها التنموى، وتعكس فى الوقت ذاته الحضارة الصينية العريقة، التى تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، ويقينى أنكم فخورون بما تمثله الصين من إضافة وإسهام للعالم.
وأضاف «السيسى»: «أتوجه بالشكر والتقدير لدولة الصين الصديقة، حكومةً وشعباً، على كرم الضيافة وحسن الاستقبال، ويطيب لى أن أعبّر عن حرصى على تلبية الدعوة بزيارة الصين، وسعادتى الشخصية بها، نظراً لخصوصية العلاقات بين بلدينا، والتزامنا معاً بتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين».
الرئيس: زيارتى الخامسة للصين تعكس تطور العلاقات المتميزة بين البلدين.. ومستعدون لدفع التعاون الثلاثى فى أفريقيا والعالم العربى فى مجالات السلم والأمن
وتابع: أسفرت المباحثات التى أجريتها مع الرئيس «تشى جين بينج» عن تأكيد استمرار توافق رؤى ومواقف البلدين تجاه شتى القضايا الإقليمية والدولية وفى المحافل الدولية، والأهمية التى نوليها لتعزيز علاقاتنا الثنائية فى مختلف المجالات، والاستفادة من التجربة الصينية فى مجالات التكنولوجيا والتطور الصناعى، وتعزيز العلاقات التجارية والثقافية، والتواصل بين الشعوب، باعتباره الضمانة الحقيقية لترسيخ نتائج التعاون القائم بين البلدين.
وفى سياق متصل، تُعد مصر شريكاً حضارياً وتاريخياً للصين فى مبادرة الرئيس «تشى جين بينج» الحزام والطريق، التى تقوم على إعادة إحياء طريق الحرير، حيث أبدت مصر تأييدها الكامل لهذه المبادرة، وعبّرت عن أهمية المشروعات التى يتطلع الجانبان إلى تنفيذها فى منطقة قناة السويس فى إطار المبادرة، وشهدت زيارة الرئيس الصينى إلى مصر فى يناير ٢٠١٦ توقيع مذكرة تفاهم بين حكومتى البلدين، بهدف تعزيز التعاون فى قطاع البنية التحتية وتنفيذ المشروعات الوطنية الكبرى، خاصة فيما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة.
تحقيق التنمية التى تحتاجها شعوبنا مرهون باستعادة الاستقرار السياسى فى المنطقة ووقف هدر الدم والطاقة.. و«التيارات الدينية» استغلت فراغ «الربيع العربى» للسيطرة على الحكم
وأوضح السيسى: «إننى على ثقة بأنكم على دراية بحراك التنمية الشاملة فى مصر خلال المرحلة الأخيرة التى أسفرت عن نمو بلغ 5.3% فى عام 2017/2018، وحجم احتياطى نقدى تجاوز 44 مليار دولار، وسط جهود لتخفيض عجز الموازنة إلى أقل من 10% من الناتج القومى الإجمالى، مما يعكس التوجه الجاد للحكومة المصرية لتحقيق نمو اقتصادى متسارع، من خلال برنامج إصلاح اقتصادى جاد وغير مسبوق فى فلسفته وطريقة تنفيذه وسرعة تحقيقه للنتائج الملموسة، ويتم ذلك بالتوازى مع تنفيذ مشروعات كبرى فى مختلف المجالات، وبالأخص البنية التحتية وتشييد عدة مدن وعاصمة إدارية جديدة، بالإضافة إلى مشروعات الطرق والأنفاق واستكشافات حقول الغاز الطبيعى، وتحقيق الاكتفاء فى الطاقة الكهربائية وبناء محطة نووية لتوليد الطاقة، والتوسع فى مشروعات الطاقة المتجددة، مروراً بمشروع إنشاء محور التنمية بمنطقة قناة السويس، وجميعها مشروعات جاذبة للاستثمارات، ونتطلع إلى دور أكبر للشركات الصينية فيها».
وأضاف السيسى: «لا شك أن تحقيق التنمية التى تحتاجها شعوبنا وتستحقها، مرهون باستعادة الاستقرار السياسى فى المنطقة، ووقف هدر الدم والطاقة والموارد الذى تعرضت له شعوبها ولا تزال. وتقتضى الصراحة أن نعترف بأن السنوات الماضية عرّضت النظام الإقليمى العربى لأزمات حادة، لعلها الأخطر منذ انتهاء حقبة التحرر الوطنى، وبات مستقبل بل ووجود الدولة الوطنية ذاتها مهدداً، بفعل ضغوط داخلية وتدخلات خارجية تهدد بتقويضها، وتفضى لفراغ استراتيجى أثبتت التجارب أنه لطالما مثّل البيئة الملائمة لنشوء التوترات الطائفية والأعمال الإرهابية التى تواصل مصر التصدى لها بصرامة، ومن خلال مقاربة شاملة تضم بجانب النواحى العسكرية والأمنية، الأبعاد الاجتماعية والثقافية والفكرية. من هنا، فقد كان الوجه الآخر للجهود الكبيرة التى قامت بها مصر على مدار السنوات الأربع الماضية لإعادة بناء دولتها واقتصادها، هو استراتيجية نشطة للتحرك الخارجى تستعيد زمام المبادرة فى المنطقة، وتعيد لشعوبها مقدراتها، وترأب الصدع الذى أصاب النظام الإقليمى العربى ودوله الوطنية، وتستعيد الاستقرار الإقليمى، وتسترجع قيم الانتماء والعمل والثقة فى المستقبل لدى الإنسان المصرى والعربى. وإلى هذا الأساس استندت مواقف مصر فى التعامل مع جميع الملفات السياسية فى المنطقة». وأوضح: «تمسكت مصر بأن مفتاح الخروج من المأزق الليبى هو المعالجة الشاملة لأزمة غياب الدولة، من خلال حكومة تمثل جميع الليبيين وتمارس سلطاتها على جميع أنحاء ليبيا، وجيش قوى يواجه الإرهاب ويحمى الاستقرار، وانتخابات حرة تستكمل المؤسسات التشريعية للدولة. ولا وقف لنزيف الدم فى سوريا، إلا بحل سياسى يبدأ بإعادة كتابة الدستور السورى بالطريقة التى تؤدى لإعادة بناء النظام السياسى والدولة الوطنية، وتلبى الطموحات المشروعة للشعب السورى الشقيق. وكذلك لا مخرج فى اليمن إلا بالحل السياسى، وبإنهاء كافة محاولات طرف معين الاستقواء بأطراف غير عربية لفرض إرادته على سائر بنى وطنه بقوة السلاح. وقبل كل شىء، لا مجال لإنهاء أقدم صراعات المنطقة، إلا بإعطاء الشعب الفلسطينى حقه فى دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية فى إطار المرجعيات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة».
الصين يمكنها الاستفادة من الموقع الاستراتيجى لمصر فى بناء صناعات مشتركة ومتطورة.. وهناك توافق رؤى بين البلدين تجاه القضايا الإقليمية والدولية
وشدد السيسى قائلاً: «لا يفوتنى فى هذا المقام أن أتطرق إلى العلاقات الثنائية المتميزة بين الصين والدول الأفريقية، والتى تنبع من اهتمام وحرص القيادة السياسية الصينية على تطوير ومتابعة تنامى العلاقات فى مختلف المجالات مع أفريقيا، حيث دخلت العلاقات بين الجانبين مؤخراً فى حقبة ذهبية، يجب البناء عليها لتحقيق المصالح المشتركة لشعوبنا، وأصبحت الصين أكبر شريك اقتصادى لأفريقيا. وفى هذا الإطار، فإننا نتطلع إلى أن تشكل مصر قاعدة للاستثمار والتصنيع والتجارة، وصولاً إلى أسواق قارات أوروبا وأفريقيا وآسيا، من خلال اتفاقيات التجارة الحرة التى تجمع مصر مع دول الاتحاد الأوروبى والكوميسا والدول العربية، ويمكن للصين الاستفادة من هذا الموقع الاستراتيجى الفريد لبناء صناعات مشتركة ومتطورة للوصول لأسواق مختلفة بطاقة استهلاكية تماثل حجم السوق الصينية، فضلاً عن الاستثمار المباشر للانتفاع بالمزايا التى تقدمها منطقة قناة السويس والمناطق الصناعية الجديدة فى المحافظات المختلفة، وتعتبر منطقة السويس للتعاون الاقتصادى والتجارى بين مصر والصين أو ما يُعرف بالمدينة الصينية (تيدا) تجسيداً للشراكة الاقتصادية بين البلدين، فضلاً عن الفرص المتعددة أمام الشركات الصينية للمشاركة فى المشروعات القارية الكبرى، ومنها مشروع بناء الطريق القاهرة - كيب تاون، ومشروع الربط بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، وإننا نؤكد ترحيبنا بمساهمة الصين فى هذه المشروعات».
وتابع السيسى قائلاً: «إن لمصر والصين دوراً ريادياً فى مجالات السلم والأمن والتنمية على المستوى الأفريقى والدولى وهو أمر نتطلع لاستمراره وتطويره، حيث تتمتع مصر بمكانة جيواستراتيجية هامة، كما أننا مستعدون لدفع التعاون الثلاثى فى أفريقيا والعالم العربى ليس فقط اقتصادياً وإنما فى مجالات السلم والأمن. وفى الختام، اسمحوا لى بأن أعبّر عن خالص شكرى وتقديرى لكم، وأن أجدد تقديرى وامتنانى لدولة الصين، رئاسةً وحكومةً وشعباً، على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال».
وتعد أكاديمية الحزب الشيوعى الصينى إحدى أهم المؤسسات التعليمية فى الصين، والمسئولة عن تدريب المسئولين والقيادات وتأهيلهم لتولّى المناصب العليا.
وصرح السفير بسام راضى، المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، بأن الرئيس استهل زيارته بتفقد متحف الأكاديمية التى يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1933، بما يضمه من ذاكرة أرشيفية لمراحل تطور الأكاديمية وعرض دورها فى إعداد القادة الصينيين على مر العصور. وعقب ذلك عقد الرئيس لقاءً مع رئيس الأكاديمية وقادتها، والذين أعربوا عن ترحيبهم بزيارة الرئيس للأكاديمية، مستعرضين دورها فى تأهيل وتدريب القادة الصينيين، وما تضمه من مجالات تشمل مختلف قطاعات الدولة. ومن جانبه أعرب الرئيس عن سعادته بزيارة الأكاديمية، مشيراً إلى إعجابه بدورها المهم فى تدريب النخبة السياسية الصينية، والكوادر الحكومية، فضلاً عن توسيع رؤيتهم العالمية وتعزيز تفكيرهم الاستراتيجى بما يمكنهم من تولّى مهام مناصبهم بشكل متميز.
كما وقّع الرئيس فى سجل الشرف بالأكاديمية بكلمة أعرب خلالها عما تمثله الأكاديمية من صرح رفيع المستوى أسهم فى تخريج أجيال حملت على عاتقها مسئولية نهضة الشعب الصينى ورفعة شأنه، متمنياً للشعب الصينى الصديق دوام الرفعة والازدهار.
وألقى الرئيس كلمة أمام عدد من قادة الأكاديمية وطلابها وقادة الحزب الشيوعى الصينى، حيث حرص فى البداية على توجيه تحية تقدير للصين حكومةً وشعباً، على ما أحرزوه من تقدّم وما تم التوصل إليه من نتائج فى عملية التنمية يشهد العالم أجمع بنجاحها. كما أجرى الرئيس حواراً مفتوحاً مع طلبة الأكاديمية أجاب خلاله عن استفساراتهم بشأن العلاقات المصرية - الصينية ومستقبل الأوضاع فى مصر والمنطقة العربية فى ظل ما تواجهه بعض الدول العربية من تحديات كبيرة، وقد أكد أهمية الدور المصرى فى تعزيز العلاقات الصينية بالقارة الأفريقية والمنطقة العربية وأوروبا، وذلك فى ظل ما تحظى به مصر من علاقات متميزة مع مختلف تلك الدول، فضلاً عن موقعها الجغرافى المتميز ودخولها فى العديد من اتفاقيات للتجارة الحرة مع العديد من الدول بتعدادهم البالغ نحو 1,6 مليار نسمة، الأمر الذى يسهل من نفاذ المنتجات المصنّعة فى مصر إلى أسواق تلك الدول، خاصة مع ما تقدمه مصر من تسهيلات للصناعات والاستثمارات الأجنبية فى العديد من المناطق الصناعية الجديدة التى تم إنشاؤها، فضلاً عما تمثله قناة السويس من محور عالمى لتسيير حركة التجارة، بما يسهم فى نقل البضائع إلى مختلف أنحاء العالم.
كما استعرض الرئيس ما تم من إصلاح اقتصادى ومشروعات كبرى خلال الفترة الأخيرة، بهدف توفير البيئة المواتية لجذب الاستثمارات الأجنبية، سواء من خلال توفير البنية التحتية من شبكة طرق حديثة وزيادة القدرة على توليد الطاقة الكهربائية، وبناء العديد من المدن الجديدة وتطوير وزيادة عدد الموانئ البحرية، وتوفير التشريعات المحفزة للاستثمار، فضلاً عن المُضى قدماً فى عملية إصلاح اقتصادى، كان للشعب المصرى الدور الأهم فى تحمل نتائجها الصعبة بما لديه من وعى وإدراك لطبيعة المرحلة التى تمر بها مصر، وهى العملية التى بدأت بالفعل فى أن تؤتى ثماراً يشير إليها التحسن المستمر فى المؤشرات الاقتصادية. وأعرب الرئيس عن أن مصر تنظر إلى الصين بكل التقدير والإعجاب، خاصة مع نجاحها فى أن تقطع شوطاً كبيراً فى عملية البناء والتنمية، مؤكداً الحرص على التعاون مع الصين فى مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية والعلمية وغيرها، وذلك للاستفادة مما يتوفر لديها من خبرات وتجارب ستساعد فى تحقيق التنمية المنشودة فى مصر. كما استعرض الرئيس التطورات التى شهدتها مصر خلال السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أنه فى ظل الأحداث التى وقعت منذ عام 2011، جاء تركيز الدولة المصرية خلال السنوات الأربع الأخيرة على الحفاظ على أركان الدولة والحيلولة دون انهيارها، وذلك من خلال إعادة بناء المؤسسات، فضلاً عن إعادة الاستقرار والأمن والتصدى للإرهاب.
وأكد الرئيس أنه مع انشغال الدولة بتنفيذ تلك الخطوات تم العمل فى ذات الوقت وبالتوازى على تنفيذ خطة تنموية طموحة تشمل الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى وتنفيذ مشروعات عملاقة لتأهيل الدولة للانطلاق إلى مستقبل أفضل، وأشار الرئيس إلى أن المرحلة القادمة ستشمل بجانب الاستمرار فى عملية الإصلاح الاقتصادى، الاهتمام بتطوير وتحديث التعليم والصحة والإصلاح الإدارى.
ورداً على استفسار بشأن الربيع العربى وتداعياته بالمنطقة، أوضح الرئيس أن الفراغ الذى أفرزته ثورات الربيع العربى تم ملؤه من قبَل بعض التيارات الدينية المعروفة بالإسلام السياسى، سعت إلى استغلال الفرصة للوصول إلى الحكم وتولّى السلطة، دون اكتراث منها لأهمية الحفاظ على الدولة الوطنية أو سقوطها، وبفهم خاطئ لحقيقة الواقع الذى تعيشه المنطقة وشعوبها ولمفهوم الدولة، كما شدد الرئيس على أن الشعب المصرى اختار بإرادته الواعية طريق الإصلاح لينأى بمصر عن خطر الانزلاق والانهيار.