الشائعات توجه «بوصلة فتاوى» القضايا الشهيرة.. والمتابعون يحكمون بـ«الهوى»
رجل أعمال الرحاب مع اثنين من أبنائه
لا تزال «الجريمة» تشغل اهتمام الجميع، منذ فجر التاريخ، بداية من أول واقعة قتل كان بطلاها قابيل وهابيل، والجريمة تمثل محلاً لجدل دائم ومدعاة لتبادل الآراء والتحليلات والأقاويل والشائعات.. مادة دسمة للدراما الحياتية الحقيقية.. خاصة عندما يشوب الغموض تفاصيلها، وتتعدد أطرافها.. ولا شك أنها تترك أثراً فى نفس الجمهور سواء بالسلب أو بالتعاطف أو حتى الشعور بالغثيان أو الخوف والحذر، إلا أن المصريين بعد تغول مواقع التواصل الاجتماعى وغزوها كل البيوت، أصبحوا يشاركون فى الرصد والتحليل وأحياناً إصدار الأحكام المسبقة، قبل انتهاء جهات التحقيق من عملها.
عشرات الجرائم تُسطر تفاصيلها محاضر الشرطة يومياً، وآلاف الورقات تذخر بها أدراج وأرفف النيابات المختلفة، وعشرات الآلاف من الأوراق التى تتداول بين أيدى سكرتارية المحاكم والقضاة، لكن القليل منها يجد طريقه للظهور الإعلامى من خلال الصحافة أو تكرار الحديث عنها فى وسائل التواصل الاجتماعى، لتصبح جريمة استغرقت لحظة فى ارتكابها، وأياماً كثيرة فى الحديث عنها والبحث وراء تفاصيلها، وروايات تنقل وأخرى تكذب حتى ولو كانت رسمية، فالبعض يظن أن لديه الحقيقة الكاملة، ويغفل أن عليه إفساح المجال للمختصين وأصحاب الحق فى البحث والتدقيق والتحقيق، والفصل بين الحق والباطل.
تستيقظ صباحاً وتفتح هاتفك المحمول فتجد موقع «فيس بوك» يتحدث عن جريمة حدثت فى مكان ما، أصدقاؤك يعيدون نشر قصص وروايات عن الحادث، البعض ينشر أخباراً من مواقع إلكترونية حول الجريمة وتفاصيلها وتحقيقاتها وروايات الشهود، فتجد نفسك لا إرادياً تكتب وتعلق وتهتم، ليصل الأمر لغيرك، ويدفعه اهتمامك للاهتمام ذاته، ويتحول الأمر لقصة تروى على كل لسان، ويتطور ليصل لحد إصدار الأحكام على الجريمة ومرتكبها وتوقعات دوافعه وطريقة ارتكابه الجريمة، ويصل الأمر لحد المطالبة بإعدامه، قبل أن يدان رسمياً من القضاء.
انقسام حول «مذبحة الرحاب» وتقرير الطب الشرعى ينهى حالة الجدل.. وقاتل «هبة ونادين» تم إعدامه بعد «أقاويل» عن تورط نجل مسئول كبير فى الجريمة
بشاعة القضية وطريقة ارتكابها وربما أطرافها إن كانوا من أسرة واحدة أو مشاهير مثلاً، تزيد من فرص الحديث الكثير عنها حتى تتحول لـ«قضية رأى عام»، تستخدم فيها ألفاظ «مذبحة وكارثة وسفاح» وغيرها، وقد تتحول لجريمة شهيرة باسم المنطقة التى حدثت فيها مثل «أسرة الرحاب» و«قتيل أوليكس»، و«أطفال ميت سلسيل»، و«بنت ليلى غفران»، و«مذبحة كرداسة»، وغيرها من القضايا التى تابعها الرأى العام باهتمام بالغ خلال الآونة الماضية.
فى كثير من الأحيان، لا تسير الأمور فى نفس مسار الأحكام المسبقة للرأى العام، خاصة أن جهات التحقيق لا تعترف إلا بالأدلة القاطعة والاعترافات والفيديوهات والشهادات الموثقة، ولم يحدث أن صدر حكم قضائى أو تمت إدانة شخص أو تبرئته بسبب اعتقاد الرأى العام، وكثيراً ما خالفت الدلائل والإثباتات القانونية مسار الرأى العام فى قضايا مهمة مثل قضية «هبة ونادين» و«مذبحة بنى مزار».
وربما يتسبب الرأى العام عندما يهتم بقضية معينة فقط فى تشديد الإجراءات الأمنية على المتهمين فيها أو تسريع بعض الإجراءات، ويجعل جهات التحقيق تهتم بإخبار الرأى العام بمجريات التحقيقات الجديدة، وإصدار البيانات الرسمية لمنع البلبلة والاجتهادات حتى لا تتفاقم الأمور، لكن تبقى الأدلة هى العنصر الوحيد الذى تعتمد عليه هذه الجهات فى تحقيق الاتهام من عدمه، بغض النظر عن أهمية القضية بالنسبة للشارع، واهتمام المواطنين بها على مواقع التواصل الاجتماعى أو حتى فى وسائل الإعلام المختلفة.
وشهدت مدينة الرحاب بالقاهرة، خلال مايو الماضى، مذبحة مروعة، بعد العثور على جثة رجل أعمال وزوجته «43 سنة» ونجله «22 سنة» ونجلته «20 سنة» وأخرى «15 سنة»، مقتولين بعدما شعر الأهالى برائحة كريهة تنبعث من الفيلا الخاصة بهم، وتبين أنهم جميعاً مقتولون بالرصاص، وكشفت التحريات الأولية أن الأب تخلص من أفراد أسرته جميعاً بإطلاق النار عليهم، ثم انتحر بنفس الطريقة، إلا أن بعض الروايات بدأت تكذب تلك الرواية، وبدأ الحديث عن قيام أعداء له بقتله وكامل أفراد أسرته، وأثارت الواقعة الجدل لفترة طويلة حتى أنهى تقرير الطب الشرعى الجدل حول القضية بترجيحه أن الواقعة كما وردت فى التحريات بانتحار الأب بعد قتله أسرته.
ومن القضايا التى شغلت الرأى العام لفترة، وانتهت إلى عكس ما توقعه الجميع، قضية مقتل ابنة المطربة ليلى غفران وصديقتها، التى عُرفت باسم «مقتل هبة ونادين» التى وقعت بفيلا الأولى بمنطقة الشيخ زايد، حيث تم إلقاء القبض على شاب يدعى «محمود عيساوى»، وتقديمه للمحاكمة، وبدأ قطاع عريض من الرأى العام يتجه إلى التعاطف مع المتهم والحديث عن وجود شخص آخر نجل مسئول كبير وقتها، وأن «عيساوى» كبش فداء فى القضية، إلا أن المحكمة تأكدت من ارتكابه للجريمة باعترافه وبعد أن كشفت التحقيقات أنه سرق هاتفاً وقام ببيعه لصديق له، لتغلق القضية بإعدام «عيساوى»، وإدانته بعيداً عن الشاب المجهول الآخر.