كريمة كريم: «السيسى» مهموم بالفقراء.. والمشروعات الإنتاجية تحسن أحوالهم.. وأزمتنا فى «إدارة الموارد» وليس نقصها
الدكتورة كريمة كريم
قالت الدكتورة كريمة كريم، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، مستشار العديد من المنظمات الدولية، إن مصر ليست بلداً فقيراً فى موارده ولكن مشكلتنا الحقيقية سوء إدارة هذه الموارد نتيجة عدم اعتماد الحكومة الحالية والحكومات السابقة على العلم، مطالبة بتشغيل «المصانع المعطلة» لخدمة برنامج الإصلاح وزيادة الإنتاج وخفض الأسعار وتقليل الاستيراد والحفاظ على العملة الوطنية.
الاقتصادية البارزة لـ«الوطن»: الاقتصاد لا يعرف المستحيل.. وحل مشكلات مصر مشروط باستعانة الحكومة بـ«مستشار كفء»
وأضافت «كريمة»، فى حوارها لـ«الوطن»، أنها ترفض دعم الدولة لـ«البنزين» لكن لا بد أن يسبق ذلك استثمار فى النقل العام والتحول إلى استخدام «الغاز الرخيص»، وأشارت إلى أن علم الاقتصاد لا يعرف المستحيل وهناك حلول لمشكلة ارتفاع الأسعار والدين العام وضعف الإنتاجية بشرط أن تنصت الحكومة لـ«المستشار الكفء» .. وإلى نص الحوار:
كيف ترين أداء الحكومة الاقتصادى؟
- الحكومة حققت تقدماً هائلاً فى بعض المجالات، وعلى رأسها الأمن، وأخذت بزمام المبادرة، وهاجمت أوكار الإرهاب فى سيناء، والسبب فى ذلك هو خبرة الرئيس السيسى الواسعة فى قضايا الأمن بحكم خلفيته العسكرية، لكن الأداء الاقتصادى أقل كثيراً، وتقديرى أن السبب فى ذلك هو عدم الاحتكام للعلم فى إدارة الاقتصاد، خاصة أن مصر ليست بلداً فقيراً فى موارده، وليست غنية طبعاً، ولكن مشكلتنا الحقيقية سوء إدارة هذه الموارد، والناتج عن عدم وجود الاستشارة العلمية المدروسة أمام صانع القرار.
الحكومة لديها عدد كبير من المستشارين سواء داخل الوزارات أو من خارجها.
- الواضح بالنسبة لى أن صناع القرار لا يحصلون على المشورة الصحيحة، فإذا كان لدى الحكومة عدد كبير من المستشارين كما تقول، فمن المؤكد أنهم لا يقومون بعمل جيد، الحكومة فى حاجة لاختيار مجموعة على أعلى مستوى كمستشارين اقتصاديين، لا يكون معيار اختيارهم أنهم أساتذة جامعة أو لأنهم «أهل ثقة»، ولكن على أساس معيار الكفاءة، والمستشار الكفء يتم الحكم عليه من سيرته الذاتية وأعماله السابقة، والتأكد من قدرته على الابتكار فى حل المشكلات التى يتصدى لها، وليس مجرد كتابة أبحاث بطريقة «القص واللصق».
هل يمكن أن تعطينا أمثلة تبرهن على أن إحدى المشكلات الأساسية التى تواجه مصر الآن هى الإدارة العلمية الخاطئة لمشكلاتها الاقتصادية نتيجة عدم وجود المستشار المؤهل لصانع القرار؟
- الأمثلة لا حصر لها ومنها ارتفاع الأسعار الذى يقصم ظهور الناس والذى تفاقم بعد قرارات «الإصلاح الاقتصادى» وضعف الإنتاجية، وزيادة معدلات الفقر والدين العام، كل هذه المشاكل ما كان لها أن تتفاقم لو أن صانع القرار كان لديه من يشير عليه بالرأى الصحيح، وهناك مثال آخر يُؤشر بوضوح على أن المشورة السليمة لا تُقدم للمسئولين، فالحكومة ركزت مؤخراً على مشروعات البنية التحتية على حساب المشروعات الإنتاجية فى قطاعى الزراعة والصناعة التى كانت يجب أن تتصدر أجندة الأولويات، خصوصاً أن هناك مصانع كثيرة مغلقة لأسباب مختلفة، قدرها البعض بـ6 آلاف مصنع.
وما الصواب من وجهة نظرك؟
- الصواب كان من وجهة نظرى أن نبدأ بتشغيل هذه المصانع أولاً، لأن هذا يعنى مزيداً من الإنتاج، وبالتالى زيادة فى التصدير وتقليلاً للاستيراد وضغطاً أقل على العملة الوطنية، ما يعنى انخفاضاً فى الأسعار وتحسناً فى مستوى المعيشة، أما البديل الذى لجأت له الحكومة، وهو التوسع فى مشروعات البنية التحتية، رغم أهميتها، فيؤدى إلى العكس تماماً، إذ توفر هذه المشروعات فرص عمل لفترات مؤقتة يحصل فى مقابلها عدد كبير من العاملين على أجور لا يقابلها إنتاج، ويزيد الطلب على السلع وترتفع الأسعار، وتسوء أحوال الناس، وأنا ضد دعم البنزين، لكن فى المقابل، عند تخفيضه، لا بد من دعم الاستثمار فى النقل العام بطرق متعددة منها مثلاً توفير قروض ميسرة لوسائل النقل العام لتتحول إلى الغاز الرخيص حتى لا ترتفع أسعار النقل على الناس كما حدث.
الرئيس كلف الحكومة مؤخراً بابتكار أفكار من خارج الصندوق لزيادة الموارد وخفض الدين العام.. ما تعليقك؟
- هذا يثبت وجهة نظرى، فالأفكار من خارج الصندوق لن تأتى إلا من أهل العلم، وتفاقم الدين العام، مثل كل مشاكلنا، ناتج عن العشوائية، هل استندت الحكومة عند الاستدانة على دراسات جادة وآراء لخبراء متخصصين وضعوا سيناريوهات مختلفة للتعامل مع المشكلة؟ لم يحدث.. والنتيجة أننا أصبحنا أمام مشكلة كبيرة كان يمكن تجنبها على العموم، لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب كما يقولون، وما زالت الفرصة قائمة لحل مشكلة المديونية وغيرها إذا استعانت الحكومة بمجموعات من الخبراء يدرسون المشكلة من كل جوانبها ويضعون حلولاً وبدائل مختلفة لصناع القرار.
أقترح أن تحدد الحكومة هامش ربح لكل مرحلة من مراحل إنتاج أى سلعة وأن ينص قانون الاحتكار بعد تعديله على عقوبة لمن يخالف السعر المعلن.. وتصريحات الحكومة المبالغة فى التفاؤل أكثر ما يقلقنى.. ورضا «منخفضى الدخول» وليس معدل النمو هو المعيار الصحيح للنجاح
وهل هذا لا يحدث عندنا؟
- للأسف لا، هذا غير موجود الآن، ولم يكن موجوداً أبداً فى مصر فى أى مرحلة من المراحل، فى العام 2012 اندلعت موجات من الاحتجاج على تفاوت الأجور فى بعض دول أوروبا والولايات المتحدة، فطلبت هذه الدول من 20 خبيراً أن يدرسوا كيفية تقليل الفجوة بين الحدين الأقصى والأدنى للأجور، هؤلاء العشرون تم اختيارهم على أساس السيرة الذاتية والإنتاج العلمى من دول العالم المتقدم والمنظمات الدولية، و3 دول نامية هى الصين والهند ومصر، التى كان لى شرف تمثيلها، وتم تطبيق مقترحاتهم بالفعل، فى المقابل وفى نفس الفترة تقريباً تم تحديد الحد الأدنى للأجور فى مصر بشكل عشوائى دون الاستناد لأى دراسة جادة أو اعتبار علمى.
لكن أرقام الحكومة تؤكد أن الأوضاع تتحسن وأن معدلات النمو فى تزايد وتجاوزت الـ5% مؤخراً؟
- تصريحات الحكومة المبالغة فى التفاؤل هى أكثر ما يقلقنى وأخطر شىء على اقتصاد بلد أن يصر القائمون عليه أنهم حققوا نجاحاً لم يتحقق اعتماداً فقط على معيار معدل النمو.
إذا كان معدل النمو معياراً غير دقيق، فما المعيار الذى يجب أن نحتكم إليه؟
- بداية أنا لا أعرف الطريقة التى تحسب بها الحكومة معدل النمو، والتى يمكن أحياناً التلاعب فيها حسابياً بحيث تكون النتيجة أرقام نمو أكثر من المتحقق على الأرض، لكن دعنا نسلم بأرقام النمو التى تعلنها الحكومة، ونقول إن نسبة النمو زادت، هذه الزيادة على أهميتها لا تقول لنا لمن ذهبت عوائد هذا النمو، وهذه كانت مشكلتنا قبل العام 2011، والمعيار الصحيح لنجاح الحكومة هو رضاء المواطن من الشريحتين الفقيرة ومنخفضة الدخل وكلتاهما تمثل نحو 70% من المصريين، هؤلاء يعانون بشدة ولست واثقة أن حجم معاناة وآلام هؤلاء الناس تصل إلى الرئيس، المهموم بهذه الشريحة، بصورة حقيقية.
لكن هناك شهادات إشادة لا حصر لها بأداء الاقتصاد المصرى من المنظمات الدولية الكبرى وعلى رأسها صندوق النقد والبنك الدوليان.. هل هذا غير كافٍ؟
- بالطبع، غير كافٍ بل ومضلل أحياناً، وكثير من نصائح الصندوق والبنك الدوليين، اللذين لا يعرفان بلدنا كما نعرفه نحن، تكون مبنية على معلومات غير دقيقة يقدمها من يجلس معهم من الجانب المصرى، وفى أوائل التسعينات كنت مندهشة جداً من بعض توصيات قدمها صندوق النقد لمصر لأنها كانت تتناقض مع أبجديات واضحة فى اقتصادنا، وانتهزت فرصة جمعتنى بمسئولين فى الصندوق فى واشنطن وناقشت الأمر معهم، وفاجأنى أحدهم بقوله إن المسئولين المصريين الذين التقاهم لم يخبروه بذلك، هذا يأخذنا مرة أخرى لمسألة الكفاءة المفقودة، فنحن نهاجم الصندوق والبنك بينما الحقيقة أن المشكلة فى بعض الأحيان تكون فيمن يتفاوض معهم، ومرة أخرى لا يكفى أن يكون المفاوض أستاذاً حاصلاً على درجة الدكتوراه فى الاقتصاد «والسلام»، لا بد أن يكون مؤهلاً فعلاً والحكم على ذلك يكون من خلال أبحاثه وخبراته وقدرته على الابتكار وإيجاد الحلول، وبهذه الطريقة تختار دول العالم المتقدم والمنظمات الدولية من تشاورهم، هل تعرف مثلاً أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى تسعى لاستشارة كل الاقتصاديين ممن تتوسم فيهم الكفاءة حتى من دول العالم الثالث.
ولكن من يسمعك تتحدثين يشعر أن مشكلة مصر الوحيدة هى سوء الإدارة العلمية لمواردنا؟
- الاقتصاد المصرى مثل أى اقتصاد لدولة نامية لديها مشكلات وتحديات كثيرة، لكن عدم الاعتماد على الأسلوب العلمى وعدم اختيار الأشخاص الأكفاء هو أكثر ما يشغلنى بسبب النتائج المترتبة عليه، ولو أدرنا الموارد بطريقة علمية سيكون وضعنا أفضل من الآن بكثير، تواصل الرئيس مع الشباب والاستماع لهم أمر مهم جداً لكن مهم جداً أيضاً أن يكون هناك منهج ثابت لدى الحكومة قبل اتخاذ أى قرار أن تستعين بمستشارين متخصصين، ليقدم كل منهم رأيه والأفضل أن يتشاوروا فى جلسات عصف ذهنى، النتيجة سوف تكون قرارات رشيدة وليست سياسات عشوائية، وعلم الاقتصاد لا يعرف المستحيل وكل مشكلة لها أكثر من حل، لكن كل حل له سلبيات وإيجابيات، وبالتالى يجب على السياسى أن يحدد لمستشاريه زاوية الرؤية أو الأولويات، فمثلاً لمواجهة مشكلة ارتفاع الأسعار أكثر من حل لكن يجب أن يسبق مناقشة هذه الحلول معرفة الأولويات والتوجه العام لصانع القرار: هل الهدف الإبقاء على معدلات نمو مرتفعة مهما كانت ضحاياها؟ أم مراعاة منخفضى الدخول؟ كل توجه يستتبعه حل مختلف، وبالمناسبة مركز معلومات اتخاذ القرار كان الهدف من إنشائه أن يكون «think tank» لمجلس الوزراء وتوفير الاستشارة السليمة للحكومة لكنه فشل فى ذلك ولم يحقق الهدف منه.
ذكرت مشكلة ارتفاع الأسعار.. بمَ تشيرين على الحكومة لحلها؟
- يصعب أن أقدم حلاً جاهزاً دون الاطلاع على بيانات وأرقام كثيرة، لكن أرى أن تستعين الحكومة بخبراء لتحديد هامش ربح معقول لكل مرحلة من مراحل إنتاج سلعة ما ولتكن مثلاً المنتجات الزراعية، ثم يتم الإعلان عن متوسط لهذه السلعة يلتزم الجميع به.
لكن أليس هذا نوعاً من التسعير الذى يخالف قانون السوق؟
- هذا ليس تسعيراً، هذا نوع من تحديد السعر العادل فى ضوء التكلفة، وهى طريقة ليست مألوفة فى الاقتصاديات المتقدمة لأن ظروفهم مختلفة تماماً عنا، مصر لديها عدد محدود من المنتجين فى معظم السلع وبالتالى يسهل عليهم الاتفاق على الأسعار والالتفاف على قوانين الاحتكار.
لكن طبعاً إذا اكتفت الحكومة بالإعلان عن سعر عادل «وخلاص» لن يلتزم أحد، وحتى تنجح هذه الخطوة لا بد من تغيير قانون الاحتكار بحيث يتضمن نصاً فحواه أنه إذا تجاوز تاجر أو مصنع الأسعار المعلنة يعد هذا نوعاً من الاحتكار يستوجب العقوبة وإذا رأى أحد المنتجين أو التجار أن السعر المعلن غير منصف يلجأ للسلطات المختصة للتظلم من قرارها، هذا رأى لكن قطعاً لو أن هناك أكثر من رأى سوف نخرج بنتيجة أفضل بكثير من القرارات العشوائية التى تهدر مواردنا وتعرقل تقدمنا وتكبدنا خسائر بالمليارات.