الصين وفيتنام وروسيا والاتحاد الأوروبى.. المتنافسون على «كعكة التوريد»
تقليص المساحات المزروعة بالأرز فى مصر فتح باب الاستيراد على مصراعيه
مع قرار الحكومة بتقليص مساحات الأرز المزروعة فى مصر، تشهد خريطة سوق الأرز تغييرات كبيرة ستؤدى إلى دخول دول وأسواق جديدة حلبة المنافسة للفوز بكعكة التوريد إلى مصر.
وتأتى أسواق الصين وفيتنام وروسيا فى مقدمة الأسواق التى قد تكون مرشحة لتوريد الأرز إلى مصر، بحسب خبراء أكدوا لـ«الوطن» أن مصلحة مصر تقتضى الاستيراد من الدول دائمة التصدير، بحيث لا يحدث أى ارتباك فى الأسعار، وبما يضمن توافر السلعة طوال العام.
قال مصطفى النجارى، رئيس لجنة الأرز بالمجلس السلعى للحاصلات الزراعية: «لا بد من إلقاء نظرة على الدول دائمة التصدير، وهى: تايلاند، فيتنام، كمبوديا، الهند، باكستان، أمريكا، البرازيل، أوروجواى، باراجواى، وأستراليا، أما الدول التى تصدّر عاماً ولا تصدر الآخر، فتأتى على رأسها الصين، الاتحاد الأوروبى، وروسيا، ومن مصلحة مصر الاستيراد من الدول دائمة التصدير حتى لا يحدث ارتباك فى السعر، فلا بد من توافر السلعة طوال العام، منعاً لانفلات الأسعار».
وأضاف «النجارى» أن الأسباب الحقيقية وراء استيراد الأرز أنه يستهلك أكثر من 25% من حصة مصر من المياه، خاصة أن الزيادة السكانية فرضت تغييراً فى الخطط الزراعية، ما يستدعى إعادة تنظيم موارد مصر المائية، مضيفاً: «المياه المستهلكة لرى فدان أرز واحد تكفى لزراعة 5 أفدنة قمح، والاستهلاك المحلى يبلغ 3 ملايين طن أرز والكميات المحددة للزراعة تكفى هذا الاستهلاك».
«كاسب»: المنتجون والتجار وراء ارتفاع «الثمن».. و«أبوصدام»: «حيتان» يدفعون مركب الحكومة إلى الغرق.. والدولة تجاهلت حلولاً
وأضاف «النجارى»: «على مدار السنوات الماضية كان متوسط استهلاك الأرز من المياه نحو 28% من حجم حصة مصر من مياه نهر النيل، حيث يستهلك الفدان الواحد من زراعة الأرز 7000 متر مكعب من المياه، فى حين وصلت نسبة الرقعة الزراعية من الأرز نحو مليون و100 ألف فدان، كما أن محصول الأرز يحتاج إلى أن يظل مغموراً تماماً بالمياه طوال دورته الزراعية، علاوة على استغلال الكثير من المزارعين مسألة أن تكون الرقعة الزراعية من الأرز مغمورة بالماء تماماً فى تربية سمك المياه العذبة، ليكون مصدر دخل إضافى لهم، وبالتالى فإن المسألة بسيطة، لدينا موارد محدودة ولدينا زيادة سكانية رهيبة هى الأكبر فى العالم كله، تنمو بمعدل 2.5% سنوياً، بينما مواردنا ثابتة، وبالتالى لدينا فرصة لاستيراد محصول اقتصادى يوفر لنا أعباء كل هذا الأمر، فلم لا؟».
وتابع «النجارى»: «لا بد أن نفهم خريطة إنتاج وتصدير الأرز فى العالم كله، فهناك دول دائمة التصدير، تصدّر الأرز طول العام وتحافظ على مكانتها فى البورصة العالمية، وهناك دول قد تصدّر سنة ولا تصدّر الأخرى، كما هناك أيضاً دول مستوردة فقط للأرز، وفى عام 1992 حتى عام 2008، كانت مصر من الدول دائمة التصدير فى العالم، ولكنها تحولت منذ عام 2008 حتى 2016 للشريحة الثانية التى تصدّر عاماً ولا تصدر الآخر، ثم تحولت بعد قرار رئيس الجمهورية بتحديد المساحات المزروعة إلى دولة مستوردة للأرز».
وأشار «النجارى» إلى أن وزارة التموين والتجارة الداخلية قامت بعمل اختبارات طهى لعينات الأرز التى سيتم استيرادها، فتم عمل اختبارات لنحو 12 عيّنة أرز مستوردة فى مركز تكنولوجيا الغذاء، ومركز تكنولوجيا الأرز، وثبت أن كوب أرز مستورد يساوى كوبين من الأرز المحلى. وكشف أنه يؤيد اتجاه الدولة للاستيراد وتحديد المساحات، خاصة بعد تغير النمط الاستهلاكى للمواطن المصرى بنسبة كبيرة، حيث تراجع استهلاك المواطن من الأرز بنسبة 25% فى السنة ليصبح 30 كيلو بدلاً من 40 كيلو.
«النجارى»: مصلحتنا مع الدول دائمة التصدير منعاً لانفلات الأسعار.. و«شحاتة»: المحصول الحالى يكفى حتى أكتوبر 2019.. وثمن الشراء الرسمى «غير عادل»
وأكد أن لجوء مصر إلى الاستيراد أدى إلى تحول المصدّرين إلى مستوردين، وهم اللاعبون القدامى نتيجة خبراتهم السابقة، ولديهم علاقات قوية بالمنتجين، ويعرفون الخريطة السعرية والاستيرادية جيداً، مشيراً إلى أن هناك تعاوناً كبيراً بين المصدّرين والدولة كفريق عمل واحد. وأوضح «النجارى» أن الخاسر الأكبر من الاستيراد هم أصحاب المضارب، لكن اتجاه عدد كبير منهم إلى التحول لتعبئة الأرز سيعوض تلك الخسائر.
وذكر «النجارى» أن هناك العديد من الحقائق التى يجب ألا نتجاهلها، منها أن الأسعار فى مصر أقل من مثيلاتها فى دول الجوار، لهذا يوجد تهريب للعديد من السلع مثل الأرز، مضيفاً: «المشكلة فى الدخول والإنتاج والإنتاجية وليست مشكلة أسعار، ما يعرضنا لتقلبات الأسعار العالمية والعملة، وحجب الواردات أدى للندرة وخفض المنافسة ورفع الأسعار، خاصة أن أكثر من نصف إنفاق الأسرة المصرية -طبقاً لجهاز التعبئة والإحصاء- عبارة عن سلع وخدمات تقدمها الدولة (سلع مدعمة، مرافق، نقل، صحة، تعليم)، ومعدل ارتفاع أسعارها أعلى بكثير من معدل ارتفاع كافة ما يقدمه القطاع الخاص، وذلك ببساطة يرجع لارتفاع التكلفة بالرغم من حجم الدعم الذى يستهلك أكثر من ربع الموازنة، فلا الحكومة جشعة ولا التجار جشعون».
وأكد «النجارى» أن سعر توريد الأرز للحكومة «غير عادل» فى ظل تقليل المساحات، وقال إن الفلاحين لجأوا إلى تسويق الأرز فى السوق المحلية بعيداً عن الحكومة، لوجود منافسة سعرية بفارق قد يتجاوز 1000 جنيه، وهو ما يؤثر على المخزون الاستراتيجى للدولة من المنتج المحلى. ودعا «النجارى» إلى تفعيل الاتفاقيات الدولية، وتدخُّل الرئيس عبدالفتاح السيسى، واستثمار علاقاته بالدول المنتجة للأرز مثل فيتنام والصين والهند وغيرها فى الحصول على أسعار تنافسية للأرز، إلى جانب استغلال المناطق الزراعية المحيطة ببحيرة ناصر فى زراعة الأرز لتلبية احتياجات الصعيد.
من جهته، قال رجب شحاتة، رئيس شعبة الأرز باتحاد الصناعات: «إننا لا نبالغ إذا قلنا إن هناك كارثة فى طريق المضارب المحلية، وإن المضارب خلاص انتهت، ما لم تتوافق مع المنظومة الجديدة التى وضعتها الدولة». وأضاف «شحاتة» أن الهدف من قرار فتح باب استيراد الأرز هو الحفاظ على المخزون الاستراتيجى من المنتج، وعدم السماح بالتلاعب فى سعره، حيث يكفى المحصول المحلى الذى بدأ حصاده نحو 90% من حاجة السوق المحلية من الأرز، بكميات تصل إلى نحو 4 ملايين طن أرز شعير، فيما لا تتجاوز الكميات المتوقع استيرادها من الأرز 500 ألف طن أرز شعير.
وأوضح أن ما تبقى من الإنتاج من المحصول الحالى يكفى الاستهلاك المحلى حتى أكتوبر 2019، مشيراً إلى أنه لن يكون هناك عجز فى الأرز مع استمرار استيراد كميات الأرز من الخارج للقضاء على أى عملية احتكار أو إخفاء لسلعة الأرز، وهو ما سيؤدى إلى استقرار الأسعار على مدار العام. وقال إن مصر اتفقت مع فيتنام على استيراد مليون طن من الأرز الأبيض خلال 3 إلى 4 أشهر، بعد تقليص زراعته فى وقت سابق من العام الحالى، مضيفاً: «زيارة رئيس فيتنام إلى مصر نتج عنها اتفاقية تعاون تجارى، تتضمن توريد مليون طن من الأرز الأبيض، على أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ خلال أيام». وأردف: «تصل هذه الكميات على دفعات من 3 إلى 4 أشهر، ما سيعزز الاحتياطى الاستراتيجى لسلعة الأرز لمدة عام مقبل، بجانب وجود مخزون من الأرز المحلى داخل الأسواق».
من جهته، أكد يحيى كاسب، رئيس شعبة المواد الغذائية بغرفة الجيزة، أن منتجى الأرز وتجاره وراء أزمة ارتفاع أسعاره للمستهلك بعد قيامهم بتخزين الأرز، وعدم طرحه فى الأسواق والاحتفاظ بكميات كبيرة منه فى مخازنهم، خاصة الشركات الأجنبية المسيطرة على 70% من سوق الأرز، ما أدى إلى وجود احتكار للسلع الغذائية من قبَل التجار الكبار، خاصة أن معظم السلع الغذائية يتم استيرادها من الخارج. ودعا «كاسب» إلى ضرورة أن تلعب الدولة دوراً أساسياً فى الاستيراد منعاً لوقوع المستهلك تحت رحمة المستورد، مطالباً بتشغيل الشركات الحكومية بكل قوة لدعم تجار التجزئة.
ووصف حسين عبدالرحمن أبوصدام، نقيب عام الفلاحين، اتجاه الحكومة إلى استيراد الأرز بـ«الكارثة»، وقال: «إن فشلت الدولة فى إيجاد حلول بديلة عن الاستيراد، فإنه الفشل بعينة»، لافتاً إلى أن الاستيراد يعرّض مستقبل المزارع والزراعة المصرية للخطر.
وتابع: «حيتان الاستيراد يدفعون مركب الحكومة إلى الغرق، وهناك حلول كثيرة لم تلجأ فيها الدولة إلى أصحاب الشأن، واتخذت القرار منفردة، فهناك صنف مستحدث من أصناف الأرز يُسقَى كل 15 يوماً، وينضج مبكراً فى غضون 120 يوماً، وبذلك يرشّد المياه كاتجاه أمثل للسياسة العامة للدولة، ويمنع بوار الأرض الزراعية جرّاء تصميم الفلاحين بالدلتا على زراعة الأرز أو تبوير الأرض لعدم الجدوى الاقتصادية للمحاصيل البديلة، فأسعار محصول الذرة والقطن مقارنة بالأرز هى الأقل قيمة، كما أن اتجاه الدولة إلى الاستيراد سيحول مصر من دولة زراعية إلى دولة غير زراعية»، مشيراً إلى أن استيراد الأرز «يصب فى مصلحة حيتان الاستيراد والسماسرة، أما الفلاح فهو الضحية».
وأوضح أن خفض المساحات المزروعة سيكلف ميزانية الدولة ملايين الدولارات، جراء الاستيراد ويدعم الفلاح الأجنبى على حساب فلاحين مصر، كما أن هذه الأصناف تقلل من مستلزمات الإنتاج الأخرى مثل الأسمدة.