الدكتور جلال أمين مات!! كنت أعرف أن الرجل يعانى من بعض الأعراض المزمنة للتقدم فى السن -83 عاماً - ولكننى كنت أعرف أيضاً من أصدقاء مشتركين أنه يتمتع بصحة عقلية مدهشة، وكانت مقالاته التى لم تتوقف فى «الأهرام» طيلة الأعوام الماضية يوم الاثنين من كل أسبوع، تشير إلى قدرة فائقة على الرصد والمتابعة والتحليل، حتى أسلوبه الشائق فى الكتابة لم يتسرب إليه الضعف، الذى ينتاب عادة كبار الكتاب عندما يتقدمون فى السن، وحتى عندما توقفت كتاباته المنتظمة عند يوم الاثنين الموافق 25 يونيو 2018، توقعت، وتوقع كل من قرأوا سيرته الذاتية فى كتابيه الرائعين: «ماذا علمتنى الحياة؟»، و«رحيق العمر».. أنه بدأ رحلته السنوية إلى لندن، حيث اعتاد منذ خمسة عقود تقريباً أن يقضى بها -مع زوجته الإنجليزية- شهراً أو أكثر كل عام.
ولهذا كان وقع خبر رحيله مؤلماً ومحزناً إلى أقصى درجة لمن عرفوا هذا المفكر الكبير عن قرب، أو لمن عرفوه من إنتاجه الغزير فى معظم فروع المعرفة.. أو لمن تصادف أن استمع إليه فى ندوة ثقافية أو محاضرة عامة، فقد كان الرجل، إلى جانب روعة وسلاسة ودقة أسلوبه فى الكتابة، حكاءً بارعاً، تختلط فى حكيه غزارة المعرفة، وحضور الذهن مع خفة الظل وحرارة قلب، يتحول معها الدكتور جلال إلى مصدر جذب لا يمكن مقاومته، ولا يمكن للملل أن يتسرب إلى قرائه أو مستمعيه.
تعرفت على كتب الدكتور جلال أمين فى مرحلة متأخرة نسبياً، وتحديداً عندما نشرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، كتابه صغير الحجم «تنمية أم تبعية اقتصادية وثقافية؟» عام 1995، وما إن جلست لأقرأ مقدمة الكتاب وأطالع فهرسه، كما أفعل مع الكتب الجديدة عادة قبل أن أركنها، حتى تسمرتُ فى مكانى، ليس فقط من روعة وسلاسة وقوة الأسلوب، ولكن من جدارة «الفكرة» الأساسية التى انتظمت كل فصول الكتاب الذى يبدأه دون مواربة أو تمهيد بقوله: «من المؤسف حقاً أن نرى الانحراف، الذى حدث فى التيار الأساسى للفكر الإصلاحى فى مصر والعالم العربى، فمنذ رفاعة الطهطاوى، أى منذ قرن ونصف من الزمان، وحتى الحرب العالمية الثانية، كانت القضية الأساسية التى يدور حولها الجدل بين دعاة الإصلاح، هى الموقف من الحضارة الغربية.. ما سبب ضعفنا وتخاذلنا أمام حضارة الغرب؟ وما هذا الذى يملكه الغرب ولا نملكه؟ وما الذى يمكن أن نأخذه من الغرب دون التضحية بشخصيتنا وتراثنا؟». ثم ينتقل الدكتور جلال أمين فوراً ليرصد أهم معالم هذا الانحراف بقوله: «بعد الحرب العالمية الثانية، تحول الحوار فى الخمسينات وما بعدها إلى حوار حول الاختيار بين بدائل تنتمى كلها إلى معسكر واحد: اشتراكية أم رأسمالية؟. وتحولت القضية للأسف إلى قضية اقتصادية، وصُوّرت المشكلة على أنها «التخلف الاقتصادى»، والهدف على أنه «التنمية». وفى غمار عملية التنمية هذه، وتحت شعار رفع مستوى المعيشة، تعرضت مصر لموجة جديدة أعتى من كل ما تعرضت له من قبل من تغريب الثقافة والحياة الاجتماعية».. ويمضى الدكتور جلال فى كتابه ليرصد بدقة شديدة: «إن الاقتصادى الحديث على استعداد إذن للتضحية عن طيب خاطر بشخصية الأمة فى سبيل معدل أعلى للنمو.. كما أن الدعوة إلى التنمية لا تكتفى بتجاهل القضية الحضارية، بل إنها لا تتورع عن اعتبار أغلى مقومات ثقافتنا من عوائق التنمية».
ثم يتقدم جلال أمين ليفضح تفاهة قارعى طبول النمو والتنمية وإشباع الحاجات الأساسية وغير الأساسية: إنهم لا يكتفون بتحويل الوسيلة إلى هدف، بل يتم التضحية بالهدف الأسمى فى سبيل مضاعفة السلع والخدمات، «فالإيمان بالله فى نظر اقتصاديى التنمية المحدثين قدرية تضعف الحافز على التغيير وإحراز التقدم.. والولاء للعائلة والارتباط العاطفى والمادى بها يضعف حافز الفرد لإحراز النجاح المادى لنفسه، والكرم إسراف، والقناعة مدعاة للركود، والقدرة على التعاطف مع الغير أو على الاستمتاع بالفراغ مضيعة لوقت ثمين كان يمكن أن يُنفق على إنتاج السلع والخدمات».
وهو لا يكتفى بكشف عوار منطق الاقتصاديين المتهافت، ولكنه يستخدم معارفه الواسعة واطلاعه الدائم على أحدث إصدارات المنظمات الدولية الاقتصادية، وأهم الكتّاب الاقتصاديين فى العالم، ليكشف بدقة شديدة، عن أن البلاد الصناعية أو الغربية التى نحاول اللحاق بها هى أبعد ما تكون عن العدالة الاجتماعية، وأبعد ما تكون عن السعادة وراحة البال والتحقق والإشباع الروحى والمادى لمعظم مواطنيها. ونظرة سريعة إلى عناوين فصول الكتاب تضع القارئ فوراً أمام طريقة جديدة ومستقلة إلى أبعد حد فى التفكير.
خذ مثلاً ملاحظته شديدة الذكاء عن التحولات المذهلة فى المعسكرين الاشتراكى والرأسمالى اللذين نحاول تقليدهما: «فى الماضى كان شعار التغيير هو الشعار الذى يرفعه الاشتراكيون، بينما كان اليمين يقترن بالمحافظة.. وكان هذا يتفق مع مصلحة أرباب العمل فى قبول العمال لوضعهم الاقتصادى. أما الآن فإن التغيير لمجرد التغيير أصبح هو شعار أرباب المشروعات أنفسهم، لأنه هو الذى يضمن تصريف المنتجات الجديدة».
بعد هذا الكتاب صغير الحجم كبير القيمة، رحت أتابع ما يكتبه الرجل، وزادت قيمته فى نظرى عندما علمت أنه الابن الأصغر للمفكر الراحل الأستاذ أحمد أمين، صاحب موسوعة فجر الإسلام، وضحى الإسلام، وظهر الإسلام، ومؤلف واحدة من أجمل السير الذاتية تحت عنوان «حياتى»، وشقيق الدبلوماسى والمفكر حسين أحمد أمين صاحب الكتاب الأشهر: «دليل المسلم الحزين».
وفى عام 1998 أصدرت دار الهلال الطبعة الأولى من كتابه ذائع الصيت «ماذا حدث للمصريين؟» الذى نفد بمجرد صدوره، وأصبح الكتاب الذى استند فيه جلال أمين إلى السيرة الذاتية لعائلته والخبرات الشخصية والفكرية والحياتية التى تعرض لها، أو تعرضت لها أسرته، أيقونة يتداولها المثقفون، ووثيقة شديدة الأهمية عن أهم التحولات الاجتماعية التى طرأت على المصريين منذ أربعينات القرن الماضى، وحتى صدور الكتاب.
وجاء اليوم الذى عثرت فيه على كتاب صغير الحجم (170 صفحة من الحجم المتوسط)، اشتريته بجنيه واحد من بائع كتب قديمة، عنوانه «قصة ديون مصر الخارجية من عصر محمد على إلى اليوم»، صادر عام 1987 عن «دار على مختار للدراسات والنشر»، وقد أهداه مؤلفه الدكتور جلال أمين إلى «على مختار (1935 - 1987) الذى عاش طامحاً إلى تحقيق الاستقلال الكامل لنفسه وبلده.. ومات وقد حققه لنفسه ولما يتحقق لوطنه».
ونظرة سريعة على فصول الكتاب تكشف عن أصالة راسخة فى التفكير لدى هذا الرجل العظيم، فهو يكتب عن «عصر محمد على: التنمية بلا ديون»، ثم ينتقل إلى سعيد باشا: ديون بلا تنمية.. وفى هذا الفصل يرصد الفارق بين الطريقة التى انتهت بها حياة عباس الأول (1854)، وتلك التى انتهت بها حياة سعيد، والطريقة التى بدأت بها وانتهت بها أيضاً ولاية الخديو إسماعيل: «إذ بينما انتهت حياة عباس بجريمة قتل غامضة لا تُعرف على وجه اليقين دوافعها، تُرك سعيد ليموت ميتة طبيعية. وبينما تولى إسماعيل العرش بدلاً من أخيه الذى كان صاحب الحق فى العرش، ومات بدوره فى ظروف لا تقل غموضاً عن ظروف مقتل عباس، استقبل الأوروبيون إسماعيل بالثناء واستمروا يمجدونه طالما ظل قادراً على الاقتراض وتسديد ديونه، وانهالوا عليه بالنقد والتجريح حتى نجحوا فى عزله بمجرد أن توقف عن الدفع»!
ومن «الاستدانة فى عصر الرخاء» فى عهد إسماعيل ينتقل جلال أمين إلى: عصر الاحتلال.. الاقتصاد المصرى فى خدمة الدائنين. «لقد كان عصر إسماعيل، كما كان عصر سعيد، عصراً تورطت فيه مصر فى الديون دون تنمية.. وشيئاً شبيهاً جداً بذلك عانته مصر بعد مائة عام من عصر إسماعيل، حيث اقترنت السبعينات (حكم السادات) بالتورط فى الديون، مع النمو السريع فى الدخل، دون أن يحدث أى تقدم يُذكر فى هيكل الجهاز الإنتاجى، بل مع تدهور ملحوظ فيه».
بعد ذلك بسنوات سينتقل جلال أمين بمؤلفاته إلى «دار الشروق»، التى انتبهت إلى الأهمية القصوى لهذا المفكر الموسوعى، فأصدرت طبعة جديدة من الكتاب السابق تحت عنوان: «قصة الاقتصاد المصرى من عهد محمد على إلى عهد مبارك» صدر عام 2012 بعد أن أضاف له المؤلف 4 فصول جديدة، انتهى فيها إلى أن الاقتصاد المصرى فى مجمله ما زال يدفع ثمن هزيمة 1967، بعد مرور أكثر من 40 سنة على هذه الهزيمة «وهى فترة، على الرغم من طولها ما زالت أقصر من الفترة التى استمر الاقتصاد المصرى فيها يدفع ثمن ضربة تجربة محمد على فى 1840».. ثم يقرر أن العامل الاقتصادى الحاكم لتطور الاقتصاد المصرى فى عهدى السادات ومبارك هو تبعية مصر الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية، «وطوال ثلث القرن الماضى أبدت مصر استعداداً مدهشاً لتنفيذ مطالب الأمريكيين، حتى بعد أن استعادت مصر سيناء، وبعد أن ظهر أن الإدارة الأمريكية لا تنوى الانحراف قيد أنملة عن تأييدها للسياسة الإسرائيلية».
قبل ذلك وبعده، ظل جلال أمين هدفاً ثابتاً -بطرق مباشرة وغير مباشرة- لصبيان صندوق النقد الدولى والبنك الدولى المنتشرين فى قمة الهيكل الاقتصادى المصرى، كانوا فى جلساتهم الخاصة ينعتونه بأنه مجرد مثقف هاوٍ، انتماؤه للأدب والفلسفة والعلوم الاجتماعية، أكثر من انتمائه إلى «علم الاقتصاد البحت».. وكانوا من وقت إلى آخر يجترئون عليه «بأنه ليس متخصصاً جداً فى الاقتصاد، ولا يصح الاستناد إلى رأيه فى أمور، مثل إعادة الهيكلة والخصخصة والتضخم وعجز الميزان التجارى وتفاقم الديون وانتشار الفقر». وإذا بالرجل يفاجئ الجميع بواحد من أهم وأمتع الكتب فى صميم علم الاقتصاد هو «كشف الأقنعة عن نظريات التنمية الاقتصادية» الصادر عن «كتاب الهلال» عام 2002.
يبدأ جلال أمين كتابه «كشف الأقنعة» بحكاية طريفة عن أستاذة الاقتصاد البريطانية الشهيرة «جون روبنسون» التى سألها زميل لها فى جامعة كامبريدج -وهو أستاذ رياضيات- باندهاش شديد: «لقد لاحظت على أسئلة امتحانات طلبة الاقتصاد أنها لا تكاد تتغير عاماً بعد عام.. بينما نحن الرياضيين لا بد أن نغير الأسئلة باستمرار حتى لا يكون من الممكن للطالب أن ينجح بمجرد حفظ إجابات السنة الماضية.. فكيف تستطيعون، أنتم أيها الاقتصاديون، أن تميزوا بين الطالب النجيب وغير النجيب، وأسئلتكم ثابتة لا تتغير؟!».. فأجابته روبنسون ضاحكة: «صحيح أننا لا نغير الأسئلة من عام لآخر، وذلك لسبب بسيط جداً، وهو أننا نغير الأجوبة!».
ويمضى جلال أمين ليرصد عبر كل صفحات كتابه تصرفات الاقتصاديين «لا على أساس من العلم، بل على أساس من الأيديولوجية التى تحددها فى النهاية بعض المصالح الذاتية».. وهى تصرفات تسمح للأقوياء بأن يفرضوا مصالحهم الخاصة على الضعفاء.. وتسمح لصندوق النقد الدولى عبر صبيانه وموظفيه المستترين فى دول العالم الثالث بالتأكيد الدائم على أن نجاح أى دولة فى أى مكان يعود إلى تطبيق «روشتات» صندوق النقد.
وفى عام 2008 يعاود جلال أمين إصراره على فساد تحيّزات «علماء الاقتصاد البحت»، فيُصدر كتابه الهام «فلسفة علم الاقتصاد: بحث فى تحيزات الاقتصاديين وفى الأسس غير العلمية لعلم الاقتصاد» -صادر عن دار الشروق- وفى تقديمه لهذا الكتاب يقرر جلال أمين دون مواربة «نعم للاقتصاديين تحيزات وأهواء»، والكشف عن هذه التحيزات والأهواء لا بد أن تكون له منافع جمة، ولا تقتصر فائدته على تنبيهنا إلى قصور النظرية الاقتصادية عن الإحاطة بالحقيقة، وإلى تصويرها لبعض الأمور المهمة على غير حقيقتها، بل قد تصل فائدته إلى حد «التحرر النفسى» وخلق فرص للإبداع لم تكن متاحة من قبل.
هذا الهدف الكبير الذى وضعه جلال أمين نصب عينيه عاد ليكرره مراراً فى كتاباته فى الصحف، وفى محاضراته العامة والخاصة، وكان مدهشاً لكثيرين أن رجلاً على هذا القدر من التخصص والمعرفة، ويتكسب عيشه من تدريس الاقتصاد فى أرقى جامعات العالم، دائم السخرية من علماء الاقتصاد، ودائم التقليل من شأنهم، حتى إنه عبر عن اعتقاده فى سيرته الذاتية الصادرة فى جزأين عن دار الشروق، بأن الاقتصاد أخطر من أن نتركه للاقتصاديين وحدهم، وبأن هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم لكبار المسئولين باعتبارهم هم خبراء، هم فى الحقيقة مجرد «فنيين» لا قيمة لهم، والابتعاد عن المشورة التى يقدمونها فى أمور الموازنة والتضخم والديون والهيكلة والتنمية ورفع مستوى المعيشة، قد يكون أنفع من الأخذ بهذه المشورة.
على أن أفضل ما أنتجه جلال أمين لا يتعلق فقط بإسهاماته ومؤلفاته فى مجال تخصصه، ولكنى أعتبر كتاباته السياسية والفكرية والثقافية، من أعمق وأجمل وأبسط ما كُتب فى هذه المجالات، انظر مثلاً إلى كتابه البسيط الصادر عن سلسلة اقرأ فى دار المعارف تحت عنوان «التنوير الزائف».. وتأمل بعد أن تنتهى من قراءة سطوره هذه الجسارة من مفكر لم يسقط أبداً فى شرك «الدونية» أمام ثقافة غربية، ولم يمنعه البريق الذى يتمتع به مفكر عملاق مثل طه حسين، عن أن يفحص كتابه ذائع الصيت «فى الشعر الجاهلى»، وأن يتخذ منه موقفاً شديد الأصالة بعد أن كشف ما فيه من زيف وافتئات وتقليد متهافت لنظرية نقدية غربية، انتزعها طه حسين من سياق، وفرضها دون تحوط فى سياق ثقافى آخر شديد الاختلاف.
ثم طالع كتابه «كتب لها تاريخ»، وتأمل جيداً عرضه وتحليله وموقفه لعدد من الكتب التى قرأها -وخصوصاً الروايات- وتوقف كثيراً -بعد أن تستمتع بما كتبه عن الطيب صالح، وبهاء طاهر، وسلوى بكر، ولطيفة الزيات، ورشدى سعيد، ويحيى الجمل، ورمزى زكى- توقف عند ما كتبه عن أزمة رواية «الصقار» التى صدرت عن الهيئة المصرية للكتاب فى نهاية التسعينات، فأثارت جدلاً كبيراً عندما انتقدها بشدة الأستاذ فهمى هويدى، فثارت ثائرة الأدباء وأساتذة النقد الأدبى، إذ كيف يتصدى رجل لا علاقة له بالأدب لعمل فنى لا ينبغى أن يحكم عليه غير النقاد المعتمدين، وإذا بجلال أمين ينشر مقالاً بديعاً يتناول فيه القضية، ثم يتوقف أمام النقد الذى كتبه عن رواية «الصقار» الدكتور صبرى حافظ، أستاذ النقد الأدبى فى جامعة لندن.. وقال فيه «حافظ» من بين ما قال: «إنه عمل فنى ينهض على الجدل المستمر بين جزئياته المنتقاة بعناية من كم هائل من المادة المبذولة للكاتب، وعلى الأطراف الصانعة لشبكة العلاقات السردية التى تتخلق عبرها مسيرة الحديث وتتبلور بها مصائر الشخصيات».
آنذاك كان صبرى حافظ أيقونة النقد المتخصص فى مصر، وإذا بجلال أمين يتناول ما كتبه هذا المتخصص بهدوء شديد ويكشف ما فيه من خواء وغموض والتباس.. ثم يقول له: «إن الرواية التى تدافع عنها أتفه من أن تستحق أن يُعاد ذكرها».. ثم يقتطع الدكتور جلال مقاطع من الرواية شديدة الركاكة وشديدة الغموض والخاوية تماماً من أى معنى، ثم يسأل القارئ بعدها: هل تجد أيها القارئ الكريم أى جمال أو أى عمق، بل أى معنى، فى هذه العبارات؟.. لا أظن ذلك.
بعد هذا العرض السريع، لما استطعته فى عجالة، يبقى جلال أمين كنزاً لا ينفد من القيمة، ومرشداً أميناً لاستقلال الفكر، وإذا كان قد رحل عن دنيانا بجسده، فإنى واثق من أنه سيظل لقرون مقبلة واحداً من أهم الكتاب والمفكرين الذين أنجبتهم مصر.. وستظل مؤلفاته الرفيعة هى دليل المواطن المهموم بقضايا وطنه، والباحث عن طريق واضح للاستقلال والكرامة والمتعة العقلية أيضاً.