مرضى «معهد ناصر» يوم صرف العلاج الشهرى: فعلاً المرض بيذل
المرضى أثناء انتظارهم فى ممر المستشفى
فى المدخل المؤدى إلى الصيدلية الخاصة بمستشفى معهد ناصر للبحوث والعلاج، تتعالى الأصوات وتتداخل وتشير إلى كثافة عالية من البشر المنتظرين لتسلّم أدويتهم الشهرية، بموجب قرار العلاج على نفقة الدولة، الذى يجدد كل ستة أشهر، يتكدس المرضى فى ساحة الانتظار، يهرب بعضهم من الحر إلى الممر الخارجى، ويسأم البعض الآخر من طول الانتظار فيلجأون للحديقة الخارجية يحتمون بظلها، ويجلس الفريق الأخير فى استسلام حتى يحين دوره.
من خلف قضبان حديدية لشباك صغير، تمسك الصيدلانية بميكروفون وتنادى على عدة أسماء لتسلمها حقيبة بلاستيكية بها جزء من الأدوية المدونة فى قرار علاجهم، لتبدأ بعدها مناقشة عن سبب نقص العلاج، سريعاً ما تتطور إلى جدال ينتهى بحدة من قِبل الصيدلى: «هو ده اللى موجود يا بابا»، ثم يتعالى الصوت منادياً: «اللى بعده».
يجلس قبالة الشباك عجوز ستينى، يرتدى رقبة اصطناعية، ويحشر عكازه بين قدميه، وتتدلى من رقبته سلسلة تمسك بنظارته الطبية، ترتعش يده وهى تقلب فى عدة أوراق، بينما يثبت ملفاً مليئاً بالأشعة والتحاليل تحت إبطه، لا يستطيع الالتفات يمنة أو يسرة بسبب كسر رقبته الذى لم يمر عليه عدة أسابيع، لكنه لا يقدر على عدم تلبية نداء المشوار الشهرى لتسلّم أدوية القلب والأوعية: «ده الكابوس بتاع أول كل شهر، لو متكسر لازم آجى بنفسى أستلم العلاج، عشان مفيش بدايل تانية طول الشهر».
يصطفون فى طابور طويل ويقفون بالساعات متحملين آلام المرض وفى النهاية يتسلم بعضهم الأدوية ناقصة
نادى صوت فى الميكروفون مرتين: «على إبراهيم عبدالله»، كاد ينادى الاسم التالى، حتى ظهر «على» وسط الجموع الجالسة، يمشى بخطوات بطيئة على قدم عرجاء، بعدما تسلّم الأدوية، جلس بعيداً يقلب فى محتويات الحقيبة: «يعنى بعد كل المرار ده، وجاى من الساعة 11 الصبح، وقالوا مش هنسلم الدوا غير الساعة 2، وبعد كل الانتظار والزحمة دى، العلاج مش كامل، وكمان مش من حقك تعترض، ده أنا دافع 50 جنيه للتوك توك عشان ما بقدرش اتنطط فى المواصلات»، تنهش أمراض عديدة جسد «على» منها السكرى والضغط والقلب والكبد، بالإضافة لعمليات عديدة أجراها فى عينيه: «لو الواحد عنده 4 أمراض بيعالجوا المرض الأخطر فيها ويطنّشوا الباقى».
ترتدى عباءة وحجاباً أسودين، تمضغ «العلكة» وتثرثر هنا وهناك، لا يبدو عليها إرهاق المرض كالبقية، فضلاً عن صغر سنها: «جاية مع أمى، أصلها عاملة عملية وما بتقدرش تتحرك، لكن لازم تستلم العلاج بنفسها، واقفة بدالها فى الدور لحد ما ييجى ميعادها»، تتكبد أمل منعم العناء شهرياً بصحبة والدتها المسنّة وزوجها للمجىء من حلوان إلى مقر المعهد الطبى لتسلّم حقيبة الأدوية الخاصة بوالدتها: «جوزى بياخد اليوم ده إجازة من الشغل، وأمى بتتعذب فى التنطيط فى المواصلات وبطنها مفتوحة من العملية، وأنا والعيال بنتبهدل فى اليوم ده، ده كابوس كل أول شهر».
سيد محمود يستكين على كرسيه المتحرك، بلا حول منه ولا قوة، يزوره النعاس من وقت لآخر، ينتظر دوره فى سكون تام: «بندوق المر فى المشوار ده كل أول شهر، لكن هندوق ذل المرض والوجع طول الشهر لو ما جيناش».