مرّ أكثر من أسبوعين على بدء العام الدراسى الجديد، والذى يُعد صداع مزمن دائم ومتكرر فى رأس أولياء الأمور كل عام، فمُنذ أن يعلم ولى الأمر بموعد قدوم المدارس، يُصيبه التفكير، فى كيفية توفير متطلبات أبنائه خلال هذا الماراثون، والويل كل الويل لمن لديه أكثر من طفل فى المدرسة، فهو يتكبد النفقات، والضغط، وفوق ذلك المخاطر.
ربما زدات متطلبات الأطفال من طلاب المدارس خلال الفترة الماضية، بل خرجت عن حدودها الصارمة والمتعارف عليها، فبعد أن كانت الشنطة المدرسية، وبعض المستلزمات والأدوات المدرسية، التى يحتاجها الطلاب فى العملية التعليمية، هى كل ما يشغل بال الأسرة المصرية قديماً، أصبح «اللانش بوكس»، من الأشياء الهامة والمرتبطة بالعام الدراسى الجديد، وهو وسيلة جديدة لحفظ الوجبات المدرسية بطريقة آمانة وصحية، ويرى بعض الأسر أنها أفضل بكثير من استخدام الأكياس البلاستيكية لحفظ الأطعمة .
وتسبب قرار، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، بزيادة مصروفات المدارس الحكومية، هو الآخر، فى تحميل أولياء الأمور بأعباء إضافية على أعبائهم، بعد أن ارتفعت المصروفات بنسبة 50%، عن الأعوام الماضية، وتسببت فى حالة من الارتباك لبعض الأسر الذين لديهم أكثر من طفل فى المدرسة .
ولكن هذا لا يُعفى أولياء الأمور من تحمل المسئولية، فهم السبب الرئيسى فى زيادة أعباء الحياة على أنفسهم، هم الذين عودوا صغارهم على أشياء ليس لها من أهمية، فما أهمية عشرات الدفاتر، وعشرينات الأقلام بكافة الأشكال والألوان ومن أغلى الأنواع؟، وما فائدة الهاتف المحمول الذى أصبح فى المقام الأول لدى الطالب حين التحاقه بالمدرسة، وذلك بحجة «الاطمئنان على الأولاد!»، أليست هناك وسائل أخرى للاطمئنان وتكون أقل ثمناً من الهواتف المحمولة، التى تعدت فى مُجملها آلاف الجنيهات .
ولا ننسى أيضاً، زيادة المصاريف الخارجة من جيوب أولياء الأمور، كمصاريف الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية هذا العام، فكل عام تزادد ظاهرة الدروس الخصوصية، على الرغم من قرارات المحافظين بشن حملات على مراكز الدروس الخصوصية.
الإحصائيات الأخيرة تؤكد أن هناك إقبال كثيف من قبل أولياء الأمور على شراء ملحقات الأدوات المكتبية من زجاجات مياه، ولانش بوكس، ومقلمات، وغيرها من الأدوات التى كانت تعتبر ترفيهية الأعوام السابقة، ومع ذلك يدعى الكثير الفقر، وسوء الحياة المعيشية.
نحن عندما كُنا أطفالاً صغاراً، فى أوائل الألفية الجديدة، لم يكن قد انتشر الهاتف المحمول بهذه الدرجة الكبيرة، ومع ذلك كان دائماً أولياء أُمُورنا يطمئنون علينا، علماً منهم بأننا فى أيدٍ أمينة، لم نكن بحاجة إلى الهاتف المحمول، ولم نفكر فى ذلك من الأساس.
رحم الله أياماً كانت أقصى طوحاتنا «الشنطة الترولى، والمقلمة، وعلبة الألوان، والزمزمية»، فلم يكن هناك ما يسمى بـ«اللانش بوكس»، فى بداية الألفية الجديدة، ولم تكن هناك زيادة فى أسعار المصروفات المدرسية بالشكل الذى آلت إليه الآن.
كان مصروف الطالب وقتها لا يتجازر الـ25 قرشاً، ومن يتجاوز مصروفه اليومى هذا الحد يكون بذلك من أثرياء القوم، ومطمعة بين الكثير من زملائه، الذين يحرصون على التقرب منه عسى أن يتذكرهم بشئ من مصروفه.
لم نكن نمتلك فى ذلك الوقت هاتفاً محمولاً، ومع ذلك كان أولياء أُمُورنا يطمئنون علينا بصفة دائمة ومستمرة من خلال الحضور شبه اليومى إلى المدرسة، أو إرسال من ينوب عنهم كى يطمئنوا علينا إن كان لديهم شئ هام يمنعهم عن الحضور.
لم نرهق أهلينا بالدروس الخصوصية، كما يحدث الآن، ولا أنكر إننى كنت أذهب إلى درس خصوصى واحد يشمل اللغتين العربية، والإنجليزية، ومادة الرياضيات، ورغم ذلك كُنت بارعاً فى دراستى، وكنت من الأوائل فى المرحلة الابتدائية.
لماذا أصبحنا نُثقل على أنفُسنا، ونسلك طُرقاً شائكة، وأمامنا الطرق الممهدة؟، لماذا لا يعيش كلُ منّا منا على قدر استطاعته؟، كيف سمحنا لأنفُسنا أن نصل إلى هذه الدرجة من الإسراف والتبذير! وبعد ذلك نضع أيدينا على خدودنا ونقول «العيشة غالية» .
«عيشوا على قدكم»، نصيحتى لجميع أولياء الأمور، ليس شرطاً أن تتكبدوا آلاف الجنيهات فى شراء «ملابس جديدة، وهواتف محمولة، ولانش بوكس، وشنطة ترولى»، لأطفال لم تتجاوز أعمارهم الـ6 سنوات، علموا أولادكم القناعة، علموهم إن النعمة لا تدوم، احكوا لهم عن جدكم واجتهادكم، انقلوا لهم معاناتكم، وصراعكم مع الحياة؛ من أجل توفير لقمة عيش كريمة لهم.