«هى الصحافة بتأكل عيش»، رد سخيف اعتد على سماعه دائماً من المحيطين بِى حينما يعلمون أننى صحفى شاب، أعمل فى بلاط صاحبة الجلالة، منذ عامى الجامعى الأول، فقد اتجهت إلى العمل الصحفى، وعملت فى أكثر من جورنال وموقع إخبارى، ومع ذلك تعرضت للتنمّر فى بداية عملى رغم أنى لست طفلاً صغيراً، ليشير ذلك «أن التنمّر ليس للصغار فقط !!»، ولكنه يشمل الكبار أيضاً.
سمعت الكثير من العبارات الساخرة التى لم أنسَاها حتى اليوم، من بعض المحيطين بِى، وأقرانى فى دائرة العمل، منها «يا ابنى شوفلك شغلانة تانية احنا فى الشغلانة دى من سنين ومش بتأكل عيش»، «يعنى أنت ملقتش شغلانة تانية غير الصحافة»، «هى المشرحة ناقصة قتلى»، وغير ذلك من العبارات الساذجة التى يعف اللسان عن ذكرها، مما كان يجعلنى أشعر بالإحباط فى بعض الأحيان، وأرى أن مسيرتى سوف تبوء بالفشل.
عملت فى أكثر من مكان، وتدرجت فى أكثر من موقع، حيث ترأست قسم الفن فى إحدى الجرائد الورقية، التى تصدر عن المجلس الأعلى للصحافة، وعمرى لم يتجاوز العشرون عاماً، وكنت بذلك أصغر من تدرجوا رؤساء أقسام فى المجال الصحفى، كما أننى أعمل حالياً مراسلاً لإحدى المواقع الإخبارية بكفر الشيخ، وما زلت استكمل دراستى الأكاديمية فى جامعة كفر الشيخ .
بدأت فى العمل الصحفى مع بداية عام 2014، وكنت وقتها مُقبلا على عامى الجامعى الأول، حيث عملت فى أكثر من جورنال ورقى، وموقع إخبارى، وزادت خبرتى فى المجال بعد فترة قصيرة من عملى به، وكنت فى ذلك الوقت من أصغر الصحفيين سناً فى محافظة كفر الشيخ.
عانيت كثيراً فى بداية عملى الصحفى، وحُوربت أيضاً من بعض زملائى، الذين هم أكبر منى سناً فى هذا المجال، وكانوا دائماً يضعون لى العوائق، حتى أسلك طريقاً آخر غير طريق صاحبة الجلالة الذى أحبه من كل قلبى، فكل واحد منهم كان يقول لى كلمة مختلفة، كانوا دائماً يشعروننى بالإحباط، وعدم تحقيق ذاتى، ولكنى بفضل الله انتصرت على كل من وضع لى هذه العراقيل.
تعرضت لأكثر من موقف خلال عملى الصحفى، يدل على التنمّر، حيث كنت أحُرم فى بعض الأحيان من دخول بعض المؤسسات الحكومية إلا بكارنيه أو تفويض، على النقيض من بعض الزملاء الذين هم أكبر من سناً، الذين كانوا يدخلون إلى الأماكن نفسها بلا أدنى إثبات شخصية، وكنت وقتها أشعر بقسوة التفرقة، الناتجة عن التنمّر.
«الخجل»، معاناة ظلت تلاحقنى كثيراً، فى مجالى الصحفى، لكنى لم استسلم لها، وقررت أن أثبت للجميع العكس، وكنت دائماً أشعر بالخجل فى الحديث مع أى مسئول، وكنت دائماً أتردد فى الذهاب إلى المسئولين فى محافظتى، لإجراء الحوارات، أو الحصول على تصريح منهم، ولكن بعد فترة من الوقت تغلبت على خجلى، وأصبحت أتترد على مكاتب المسئولين من حين إلى آخر، واكتسبت عن ذلك ثقة كبيرة بينى وبينهم.
الحملة القومية لحماية الأطفال من التنمّر تحت رعاية المجلس القومى للطفولة والأمومة بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى، وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف»، وبتمويل من الاتحاد الأوروبى، أعادت شريط ذكرياتى، فقررت أن أكون من المتضامنين مع الحملة، حتى لا يشعر الأطفال بالمعاناة التى يعيشها الكبار أيضاً، ولأؤكد لهم أن التنمّر ليس للصغار فقط!
أمنية.. أتمنى أن أنتهى من دراستى أولاً، ثم أكون صحفياً مشهوراً، أعمل على مساعدة الآخرين، وإعلاء راية الحق، كما أتمنى أن أكون إعلامياً أو إذاعياً، لأُحقق أمنية والدتى، حفظها الله لى، التى تتمنى أن ترانى شخصاً مرموقاً له مكانة كبيرة فى المجتمع.