«فنى ستاير» بـ«دبلومة تربوى»: «عصام» خطفته «نداهة الخدمة»
حسام السجاعى
«شىء من بعيد نادانى، وأول ما نادانى جرالى ما جرالى»، كلمات مرسى جميل عزيز وغناها «الكينج» محمد منير، ربما تكون هذه الجملة هى أفضل ما يعبر عن حالة حسام السجاعى، الذى تخرج فى كلية الآداب جامعة طنطا عام 2010، بدرجة «فنى ستائر»، لأنه كان يمتهن هذه المهنة منذ أكثر من 20 عاماً.
ابن قرية الرجيبة: «الشغلانة سرقتنى وفلوسها ملهاش طعم وماكنتش حابب أبقى كده»
«حسام» ورث المهنة عن أبيه، الذى يمتلك محل ستائر فى طنطا، وكان يعمل معه أثناء الإجازات منذ أن كان فى الابتدائية، فتمرس على «الصنعة» منذ نعومة أظافره، وأصبح الذراع اليمنى لوالده الذى كان ينتظر أن يتولى إدارة المحل بدلاً منه يوماً ما، رغم وجود رغبة دفينة داخله بالعمل بشهادته، حيث قال: «ماكنتش حابب أبقى صنايعى».
الشاب الذى يسكن فى قرية «الرجيبة»، الواقعة بين طنطا والمحلة، أنهى الخدمة العسكرية عقب تخرجه، وبحث عن عملٍ بالمؤهل الذى أنفق سنواتٍ طويلة للحصول عليه ثم تدعيمه بدبلومة تربوية، ليصبح اسمه ليسانس آداب وتربية، فلم يجد أمامه إلا العمل براتب 300 جنيه شهرياً، فى إحدى المدارس الخاصة، وهو ما لم يقبله الصنايعى الذى يحصل على أضعاف مضاعفة لهذا المبلغ شهرياً.
إحباط «حسام» من الراتب الهزيل الذى عُرض عليه لم يجبره على رفع الراية البيضاء، حيث قرر العمل بشهادته بشكلٍ حر، عن طريق الدروسٍ الخصوصيةٍ لأبناء قريته، وهو الأمر الذى واجه مشكلة كبيرة، تتمثل فى عدم ثقة أهالى القرية به، وعن هذه التجربة قال: «الناس ماقبلتش فكرة إنها تودى عيالها ياخدوا درس عند صنايعى ستاير، وكأنى ماخدتش كلية أصلاً».
الشاب الذى أتم عامه الثلاثين منذ شهورٍ قليلة، قدّم كغيره فى مسابقات وزارة التربية والتعليم، إلا أنه لم يصبه الدور أو يحالفه الحظ فى أى منها، وحاول الهروب من «الصنعة» مرة أخرى عن طريق العمل فى شركات خاصة، إلا أن السؤال الذى كان يُوجه إليه دائماً «اشتغلت إيه وفين قبل كده؟» فيتم رفضه فى كل مرة لعدم وجود خبرة، وتغلق جميع الأبواب فى وجهه إلا باب الستائر.
«الصنعة خطفتنى»، كلمتان عبر بهما «حسام» عن علاقته بمهنته، حيث تخرج وقضى خدمته العسكرية، ليجد نفسه مطالباً ببناء مستقبله، والسبيل الوحيد أمامه هو العمل باستمرار فى هذه المهنة التى كان يمارسها بشكل متقطع أثناء الإجازات، وتابع: «قلت لنفسى أشتغل وخلاص أحسن ما أقعد فى البيت أو أشتغل بملاليم». «حسام» لا يخبر زبائنه أنه من حملة المؤهلات العليا «هتفرق فى إيه؟ اللى يهم الزبون إن الصنايعى يكون كويس فى شغله حتى لو معاه دكتوراه»، ويرى أن الجميع سواسية أمام «الصنعة». «حسام» أصبح من أشهر صنايعية الستائر فى طنطا، ويمتلك محلاً خاصاً به، وتزوج من فتاةٍ تخرجت فى كلية الدراسات الإسلامية، إلا أن أهم لحظات سعادته تكون عندما يدخل الفصول أثناء دراسته للدبلومة التربوية بشكلٍ عملى، كما أن ما زال يحلم بالعمل كمدرس حتى وإن كان الراتب قليلاً لأنه دائما يردد: «فلوس الصنعة ملهاش طعم»، وأضاف: «لو ابنى حصلت له نفس ظروفى هنصحه يستمر فى المدرسة أم 300 جنيه لحد ما ربنا يكرمه فيها».