ترتفع معدلات الطلاق يومياً بشكل يخيف ويهدد قوام المجتمع. محاكم الأسرة تملؤها مشاكل وتفاصيل إجراءات الطلاق وتبعاته من نفقة وحضانة إلى آخره والفضائيات والجرائد تعج بنظريات وأطروحات المختصين بشأن الطلاق بين أسبابه وطرق علاجها.
إلا إننى أرى الأمر بشكل مختلف، شكل يعتنى بالبدايات، وليس بالنتائج، فالمشاكل الزوجية والمسببة للطلاق فى نظرى كالمرض العضال تماماً إذا ما أدركناه فى الرمق الأخير كان الموت لا محالة لأن عملية الإنقاذ تكون قد جاءت متأخرة جداً. أما إن انتبهنا إليه والمرض جزئى الوجود بمعنى أن تكون المشاكل ليست فى ذروتها، فلربما نجت الأسرة من كابوس الطلاق، وربما لا! فالأمر وقتها دقيق جداً وغير مضمون النتائج، خاصة إذا كانت المشاكل معقدة ومتشابكة ولا رغبة لأطرافها بالتفاهم.
أما الطريقة التى أجدها الأمثل، فهى الطريقة الوقائية، أو ما أسميها (بالتطعيم ضد الطلاق)، وهى أن أدعم الزوجين منذ البداية بالأسباب الوقائية للتغلب على أى مشكلة قد تطرأ عليهما، بأن أمدهما بكتالوج الأسرة السليم، وما الذى يجب عليهما فعله إن اختلفا أو إن قابلتهما مشكلة ما، كيف التصرف وكيف التمسك بهذا الكيان وكيفية الحفاظ عليه وأهمية الحفاظ عليه.
لكنى أيضاً مؤمنة بأن من شبّ على شىء شاب عليه.. وأن التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر، إذ إن تدريب الزوجين الصحيح يكون بإعدادهما منذ البداية منذ الطفولة، بأن يكونوا مشروع إنسان جيد، حميد الخصال، بهذا يكونون شباباً على قدر مسئولية الزواج ويكون هذا الإعداد باتباع نقاط محددة:
أولاً: يجب أن تكونوا قدوة لأبنائكم ونموذجاً حسناً فى تعاملكم مع بعضكم كآباء أمامهم، وأن تعاملوهم هم أيضاً بطريقة تدعمهم نفسياً وتعالج نقاط ضعفهم.
علّموهم كذلك أن الأسرة بناء قوى، عندما يؤسس يجب أن نتأنى بوضع أساساته، وأول الطريق بالاختيار السليم للشريك، الاختيار المبنى على الملاءمة والانسجام وتوفر الأخلاق.
اشرحوا لهم معنى الزواج بأنه ذاك الرباط المقدس وبأنه مبغوض أن يهدم أو ينهار. فالأساس بالزواج هو إعمار هذا الكون فى الخير، وبالخير وبالمحبة والإيمان والتقوى، هو المشاركة والتعاون بكل شىء، دون سيطرة أو استغلال أو قهر أو تعالٍ.
فجميع المسئوليات مشتركة بين الزوجين كتربية الأبناء، أو قضاء متطلبات البيت، حتى توفير الدخل وإيجاد سبل الادخار والاستثمار هى مسئولية مشتركة، وتوفير الأمن والأمان والدعم النفسى لكل أفراد الأسرة هو مسئولية مشتركة.
علّموا أولادكم أن يتواضعوا مع شركاء حياتهم وأن يعاونوهم على مصاعب الحياة وإن اعتراهم أى مشكلة أن يصبروا ويتحملوا وأن يعملوا على حلها معاً.
علموا أولادكم حقوقهم وواجباتهم وبأنه يجب ألا يطغى جزء على الآخر، علّموهم إن واجهوا تعدياً أو تجاوزاً من الشريك أن يوقفوه بطريقة لائقة، وإن تعذر عليهم الأمر علموهم كيف يبتعدون فى رقى وأخلاق لإعطاء الشريك فرصة لمراجعة النفس وحسابها، وإن استحالت الحياة بينهما كيف يكون الخروج من العلاقة المقدسة والميثاق الغليظ بطريقة محترمة ليس بها ضرر أو ضرار. لا تتدخلوا فى حياة أبنائكم وتفاصيلها، انصحوهم، لكن دعوا لهم حرية الاختيار.
علموهم أن الوفاء ركن ركين، وبأنه يجب عليهم احترام أحلام وطموحات شركائهم ومساعدتهم لتحقيقها، علموهم أن نتاج المجهود الجماعى للأسرة والسعى بهذه الحياة يجب أن يكون جماعياً أيضاً. علموهم أن الإحسان يكون جزاؤه الإحسان، وأن الشريك الطيب الوفى المعطاء يجب مكافأته بالمزيد من الحب والرعاية والرحمة.
إن وفرتم هذه التطعيمات المهمة لأبنائكم، صدقونى لن تحتاجوا إلى علاجات، علموهم التعامل مع البشر بأخلاق واحترام ومحبة، لأن التطعيم يمنع وقوع المرض من الأساس والدور جماعى يقع على الإعلام والتعليم والمجتمع، وعلى الأسرة ذاتها.