بدأ الأمر عندما تعرفت على أحد الشباب فسألني إن كنت أعرفه من قبل. فقلت له أني أعتقد أنني رأيته من قبل ولكني لا أذكر أين، وعندما قلت له على المكان الذي أعمل به حكى لي عن سبب سؤاله: " لقد كنتُ في المستشفى وقابلتك هناك فابتسمتَ لي وهززت رأسك، فظننتُ أنك تعرفني، ولكنك أكملت طريقك دون أن تتكلم معي، وظللت يومها أتساءل، مؤكد أننا تقابلنا من قبل وإلا لماذا ابتسمت لي؟".
عندها بدأت أنتبه للأمر، أنا فعلًا أفعل هذا عن غير قصد ودون أن ألاحظ ذلك، لن أدَّعي وأقول أنني أطبق أفضل طرق التواصل وتعليمات التنمية البشرية ولغة الجسد وما إلى ذلك، بل هي عادة لا أكثر، رغم ملاحظتي لردود فعل بعض الناس المندهشة من (هذا الذي يبتسم كالأبله؟) أو (علام يبتسم هذا الرجل؟).
أنا قطعًا أؤمن تمامًا أن "تبسُّمك في وجه أخيك صدقة"، وأن الدين المعاملة، وأنه يجب أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، ولكني أعتقد أنها عادة قبل أن تكون تطبيق لذلك. ربما يكون الدافع هو أنني أرى أنه من حقي عندما أتعامل مع شخص لا أعرفه أن يعاملني بالمثل، ولا يحملني مشاكله وهمومه التي لا أعرف عنها شيئًا، فلا دخل لي إن كان تشاجر مع زوجته قبل ذهابه للعمل أو أن مديره رفض أن يجعله يوقع في دفتر الحضور أو أن زميله غادر وترك عبء العمل كله عليه أو أن ضرسه يؤلمه طوال الليل، أنا لا أعرف هذه الخلفيات ولا أريد أن أعرفها كما أنني لا أحمله همومي وأعبائي.
فلا تتوقع من أحد أن يتقبل سوء معاملتك تقديرًا لظروفك.
أذكر في أحد الاختبارات الشفوية دخلت على دكتورة معروفة بعبوسها الدائم ولكن يوم الاختبار كانت عابسة بشكل أكبر وكانت ترتدي السواد فقلت ربما لديها حالة وفاة، أثناء الاختبار ومع تعبير وجهها الغير راضي دائمًا علقتْ على إجابتي وقالت (هذا لأنك لم تحضر محاضراتي) وعندما حاولت الرد نافيًا، قاطعتني في غضب وسألتني سؤالًا جديدًا فكان ردي أني لا أعرف، غيرت السؤال أكثر من مرة وكانت الإجابة واحدة(لا أعلم)، فقالت: ماذا بك؟ لماذا لا تجيب عن أسئلتي؟ فقلت: لا شيء أنا فقط لا أعرف.
وخرجتُ.
أعرف أنني الخاسر ولا سيما في هذا الموقف ولكن الأمر ليس بيدي، فمبدأي دائمًا أن تعاملني باحترام أفضل من أن تعاملني بشكل سيء ثم تعطيني ما أريد.
في معظم الأحيان الابتسامة وحدها تحل الكثير من المشاكل، فكم من مرة يشكرك شخص سواء قد استطعت مساعدته أو لم تستطع بسبب الابتسامة. وستلاحظ تكرار عبارة ( شكرًا على ابتسامتك وحسن استقبالك).
طبعًا الأمور لا تمشي بتلك المثالية لابد من استثناءات وهفوات ولابد من مرات لا أستطيع وسط الهموم وضعط العمل انتزاع ابتسامة لأرسمها على وجهي عنوة ولكني على الأقل أحاول فعل ما بوسعي، ولكن لا شيء ينجح بنسبة مئة بالمئة فلا تتوقع أن ترضي الناس جميعًا لأن هذا مستحيل.
على سبيل المثال تعرفت على شاب آخر، جاء يومًا يستشيرني في أحد أدوية والدته، فسألته إن كانت تتابع في المستشفى الذي أعمل به، ولما أجابني بنعم فقلت له أنه يستطيع أن يحضرها لأراها في العيادة، ولكنه أخذ يؤجل تحديد الموعد، وبعد بعض المراوغة قال بابتسامة خجل أن والدته عندما كانت تذهب للمستشفى وتجد أنني الطبيب الذي يجلس في العيادة ترفض الدخول، ولما سألته عن السبب قال إنه لا يعرف، فقط هي تقول أنها لا تحب هذا الطبيب وتريد أي طبيب آخر.لم أعد أفاجأ بهذه الأمور.
هنا يظهر الجانب المقابل، هناك أناس لا يرتاحون إليك -في بعض الأحيان دون سبب- ومهما فعلت لن يغيروا وجهة نظرهم فيك.
حقًا إنك لن ترضي الناس جميعًا.
ولكن على الأقل حاول.
فقط ابتسم.