«مزّق أوراقك القديمة.. واكتب لمصر اليوم إعلاماً من جديد»، تضمين مُحرّف لم يفارق ذهنى على مدار 48 ساعة سبقت كتابة هذا المقال.
القصة بدأت فى منطقة الزمالك فى «حمى النيل القديم»، عندما جلست على أحد المقاهى لأحتسى فنجاناً من القهوة، قبل حضور منتدى «إعلام مصر» الأول، فى أحد الفنادق، فإذا برجُل بملامح مصرية أصيلة، حفر الزمن على وجهه تجاعيد من الشقاء، يجلس بجانبى، ويسألنى: «محمد صلاح هيلعب إمتى؟»، فأجبته: يوم السبت المقبل، وأعطيته جريدة كُنت أتصفّحها، ليقرأ صفحة الرياضة، فرفض، قائلاً: «لا أنا بطلت أقرا جرايد من زمان».
إجابة الرجل أذهلتنى، وذهبت لحضور فعاليات المنتدى الإعلامى، وبداخلى العديد من التساؤلات، آملاً فى أن أجد إجابة عن لماذا أصبح هذا الرجل لا يقرأ الجرائد؟ وهل هو من ابتعد عنها؟ أم ابتعدت هى؟
مع بداية فعاليات المنتدى، وجدت الإعلام المصرى وكأنه داخل غرفة عمليات، الكل فى يده مشرط الجراح، يفتشون عن مصدر الألم ويشخصون المرض، ونجحوا جميعاً فى وضع أصابعهم على المشكلة، لكن «روشتة» العلاج كانت قصيرة ومليئة بالمسكنات، والحلول الجذرية لتعافى الإعلام المصرى بصفة عامة، وصاحبة الجلالة بصفة خاصة، كانت قليلة.
أن يجتمع أكثر من 500 صحفى وإعلامى فى منتدى ليومين مزدحمين بالجلسات والفعاليات، لمناقشة مصاعب المهنة والتحديات التى فرضها التطور، أمر صحى ومفيد، وفكرة تستحق تقديم الشكر للقائمين عليها (المعهد الدنماركى المصرى للحوار بالشراكة مع جريدة «الوطن»).
مشكلات عديدة ناقشها المنتدى كانت كفيلة بأن أجد إجابة عن أسئلتى التى حملتها معى، أهمها تجارب المؤسسات الأجنبية والدولية لمواجهة تغيرات صناعة المحتوى الإعلامى، وكذلك مواكبة الوسائل الجديدة التى صارت أقرب إلى القارئ، مثل وسائل التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام الناشطة والبديلة، وكذلك كيفية اكتشاف الأخبار الزائفة التى مع زيادتها فى إعلامنا فقدنا المصداقية.
وناقش المنتدى أهم المشاكل التى أبعدت القارئ عن الإعلام، كان أبرزها تكرار المحتوى، فكل القنوات تقدم برامج متشابهة، وكذلك الصحف المطبوعة التى تعانى من شبح الانقراض، وكذلك ناقش المنتدى قانون تنظيم الإعلام، وناقش دور الهيئات الإعلامية بين التنظيم والسيطرة حتى لا تكون المهنة بـ«عافية».
وجاءت «روشتة» العلاج القصيرة متمثلة فى التدريب المستمر للصحفى والإعلامى، وتطوير المناهج الدراسية فى كليات الإعلام لمواكبة التطوير الذى يحدث على الساحة الإعلامية، وكذلك تحديث المحتوى ليكون قائماً على التحليل المنهجى، بشكل أدق، تقديم ما بعد الخبر، وهى كلها أسباب تحاول أن تقنع من «صاحبنى فى القهوة» أن يعود لقراءة الصحف ومتابعة «الإعلام المصرى الجديد».