«عالمة نابغة».. نادية مكارى: وقعت فى حب «الإحصاء» دون تخطيط
نادية مكارى
فى احتفالية المرأة المصرية لعام 2018، تردد اسمها عالياً فى جهاز الميكروفون، لكونها إحدى سيدات مصر الملهمات، وتلقب برائدة علم الإحصاء فى مصر، لتخرج الكثير من خبراء علم السكان والإحصاء فى مصر والمنطقة العربية على يديها، قامت تحث الخطى نحو المنصة لتتسلم شهادة تكريم من الرئيس عبدالفتاح السيسى، تغطى ملامحها هيبة أصحاب العلم وتعكس قسمات وجهها البشوش تواضعاً جماً، لتؤكد أن للمرأة دوماً الريادة فى علوم وتخصصات مختلفة.
أبرز مشروعاتها تحديد القرى المحرومة من المدارس الابتدائية
«اللى بيعرف بيحب» هكذا وقعت «مكارى» فى حب الإحصاء بلا تخطيط مسبق، وبالصدفة البحتة تلقت دورة تدريبية فى الإحصاء تعد مقدمة بسيطة أو مدخلاً للعلم، لم تكن تعلم حينها أنها ستصبح أم الإحصاء فى مصر، قبل 52 عاماً سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية ونجحت فى الحصول على درجة الدكتوراه فى فلسفة الإحصاء من جامعة كاليفورنيا، لتصبح صاحبة أول دكتوراه نسائية فى هذا المجال فى مصر وأقدم سيدة فى مجتمع الإحصائيين المصريين.
على مكتبها تتراكم مئات الملفات يتناول كل منها العلاقة بين شيئين متغيرين: «عملنا يعتمد على تحديد الأعداد المطلوبة من الأشياء المختلفة وكيفية الربط بينها، ومعظم بحوثنا تطبيقية وليست نظرية، بل نستخدم فيها المعلومات العلمية لحل المشكلات»، تستعرض أبرز المشروعات التى عكفت عليها، كان أحدها بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم لبحث انتشار المدارس الابتدائية وتقييم أدائها، وتحديد القرى المحرومة منها والمناطق الأكثر احتياجاً لإنشاء الجديدة.
المستقبل بلا «إحصاء» فوضى عارمة ولو كان الزوج مصدر قلق لن تتمكن الزوجة من استكمال طريقها
كذلك أمضت وقتاً طويلاً فى بحث العلاقة بين التعليم وسوق العمل، لتظهر النتائج المؤكدة بأنه ليست كل البطالة بسبب قلة الوظائف، فهناك وظائف تفتقر إلى وجود خريجين مؤهلين لشغلها: «ماذا عن المستقبل بدون علم الإحصاء؟ فوضى عارمة»، قالتها للثناء على دور الجهاز المركزى للإحصاء الذى يهتم بجمع البيانات الكاملة عن الوضع الحالى ووصفه بدقة بالغة، للتمكن من التنبؤ بالمستقبل ووضع الخطط لمواجهة عثراته وحلول لمشكلاته المتوقعة: «عندما نعرف بالإحصاء أن هناك مولوداً كل 6 دقائق، سنعرف حجم المشكلة السكانية، ومتى ستنفجر فى وجوهنا، وما يجب علينا فعله حتى نلحقها بقدر المستطاع».
تحظى مصر بمكانة مقبولة وسط دول العالم فى هذا العلم: «الجهاز المركزى يعقد مؤتمرات دولية، ومصر تقدم اقتراحات هائلة فى مشكلات كبرى نتيجة البحوث الإحصائية، لكن رغم ذلك تظل بعض العوامل عصية على التوافر، نحتاج إلى إمكانيات مادية، معيدين، مساعدين، ودارسين مؤهلين، ومرتبات معقولة»، ترى أن فرصة «الإحصائى» داخل مصر كبيرة: «كليات الاقتصاد تخرج متخصصين فى الإحصاء، بينما جامعات كبرى فى الخارج تفتقر لذلك، وتقصر دراسة الإحصاء على الدراسات العليا فقط»، بالإضافة لتوافر الدراسة تشير إلى توافر فرص العمل: «أى مركز بحثى أو بنك أو حتى شركة سيكون فى حاجة إلى متخصص إحصاء، خاصة الطلب الشديد على بحوث السوق والمنتجات الاستهلاكية»، وتُرجِع عزوف الغالبية عن اختيار ذلك التخصص: «ليس لها صيت، الإقبال عليها قليل، لأن البعض يتخيل أنها تتطلب عقلية رياضية ومعظم الطلبة يختارون تخصصات أدبية».
فى عملها تتسم بالحزم الشديد ولا تقبل الاستثناءات: «عندما كنت رئيسة قسم وتأتى لى مدرسات جديدات، أجد مبررات كثيرة للتقصير بحجة البيت والأولاد، أقول لهن من يعمل فى هذه الوظيفة يقبلها بشروطها ليست بشروطه هو»، دوماً كانت ترفع راية «مفيش فروق بين راجل وست»، وكانت خير مثال على ذلك لحرصها على تحقيق التوازن بين عملها وأسرتها وتحظى بابنتين لامعتين فى مجالاتهما المهنية: «لو كان الزوج مصدر قلق لن تتمكن الزوجة من استكمال طريقها، التعاون سفينة آمنة للعبور بالأسرة من أى عواصف أو مسئوليات ضاغطة».