«عالمة نابغة».. فرخندة حسن: المرأة التى تعثرت فى «حجر» فقررت دراسة «الجيولوجيا»: تحديت ضحكات الرجال
فرخندة حسن
فى أربعينات القرن الماضى تعثرت قدما طفلة فى الـ12 من عمرها فى حجر غريب الشكل وجدته بالصخور خلال رحلة مدرسية إلى المقطم، فصاحت متسائلة عن ماهيته، ليأتى الرد إنه صنع تحت الماء وهذا ما يطلق عليه علم الجيولوجيا، فابتهجت قائلة: «عندما أكبر سأدرس الجيولوجيا»، لكن مقولتها أثارت ضحك المحيطين، فتساءلت عن سبب القهقهة لتتلقى الرد: «ده علم للرجال فقط»، ليزداد بداخلها الإصرار على دراسة ذلك العلم.
صنعنا سخاناً شمسياً فى استراحة السادات فى ميت أبوالكوم ثم عممناه فى القرية
الدكتورة فرخندة حسن، ثانى امرأة تدرس الجيولوجيا فى كلية العلوم بجامعة القاهرة، بقسم جيوكيمياء: «كان تخصصاً صعباً على الفتيات، سافرت بعدها فى بعثة دراسية إلى أمريكا للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة بيتسبرج، وكنت أدرس وقتها أثر الإشعاع الكونى على الصخور، تزامن ذلك مع احتفاء العالم بالنزول على ظهر القمر فى أواخر الستينات، وحينها تم الحصول على 11 عينة من صخوره، وُزِعت على 11 معملاً حول العالم، وكنت محظوظة لأن جامعتى بالخارج كانت ضمن الحاصلات على إحدى العينات، ساعدنى ذلك على إجراء أبحاثى على عينات حقيقية للقمر».
تعتبر حرب أكتوبر 73 نقطة التحول الكبرى فى حياة «فرخندة»: «بعد الحرب شعرت أنه يجب علىّ الانخراط فى الحياة العامة، فأسست الجمعية العلمية للمرأة المصرية، وعكفنا على تسخير المعلومة العلمية لإفادة الفلاح والقرى الفقيرة»، وقامت بمجموعة من المشروعات المختلفة: «صنعنا مصابيح تعمل بالطاقة الشمسية، أنتجنا بيوجاز وهو غاز بوتاجاز مستخلص من مخلفات الحيوانات، وعلّمنا السيدات كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من النبات، وحتى الخضراوات والفواكه المتبقية من استخدامها عرفناهن كيفية تجفيفها فى الشمس وإعادة استخدامها مع الحفاظ على الفيتامينات والعناصر الغذائية الهامة الموجودة بها، وسميناها «صلصادين» على غرار «قمر الدين» لأنها تصنع بنفس الطريقة».
ربت ابنيها دون مربية وأجّلت الدكتوراه لحين خروجهما من الحضانة وزوجها أستاذها وداعمها الأول
شعور بالسعادة غمر «فرخندة»، عندما أشادت السيدة جيهان السادات بهذه المشروعات: «حينها قررنا عمل سخان شمسى للرئيس السادات فى استراحته بقرية ميت أبوالكوم، وأخذنا مشروعاً ألمانياً ونجحنا فى عمل السخانات الشمسية فى كافة أرجاء القرية وكان ذلك مدخلاً لترشيح السادات لى عندما أراد أن تكون للمرأة كوتة فى المجلس، واستمررت بعدها فى مجلسى الشعب والشورى لمدة 33 عاماً».
لم ترد أن تنتمى إلى مجال واحد وتغرق بين طياته، فلا حياة السياسة أو تدريس الجيولوجيا أوقفاها عن ممارسة هواية عشقتها، فكانت الكتابة طقساً شبه يومى فى حياتها، خاصة عند تأليف كتبها الخاصة: «أحسست أن خبراتى لا بد لها من توثيق، فعكفت على الكتابة يومياً حتى خرج كتاب (نبذة عن تاريخ العلم)، وبعدها كتاب (سنوات تحت القبة)، وأخيراً صدور كتاب (الكون ذلك المجهول الذى يحتوينا)، أما حالياً فعاكفة على تأليف كتاب جديد يتناول بروز بدايات التكنولوجيا منذ عصور مصر القديمة»، تذكرت حديثها إلى أحد المستشرقين حول ما اخترعه القدماء المصريون ليرد الأخير: «من الأيسر لكِ حصر ما لم يخترعوه».
تبرز من خلفية كرسيها مكتبتها المهيبة، تتزين على رفوفها موسوعة «شخصية مصر» بأجزائها الأربعة، وكتب عديدة فى مختلف العلوم والآداب والتاريخ والتكنولوجيا، تشير إليها مستدعية ذكرياتها: «الكتب هى حياتى، كنت أذهب يومياً منذ الصباح إلى المكتبة أثناء دراستى بهارفارد، أتسلم المفتاح وأظل طوال اليوم لا أشعر بالوقت إلا حينما ينبهنى المشرف إلى انتهاء الوردية لأسلم المفتاح».
رغم مشاغلها العديدة لم يؤثر ذلك على دورها تجاه أبنائها: «كنت ملتزمة دوماً بنظام منزلى، لا وجود للدلع، ممنوع وجود مربية، ربيت ابنى وابنتى بصرامة، وأجلت الدكتوراه حتى دخولهما الحضانة، وزوجى كان داعماً لى، كان أستاذى وشجعنى على إكمال الدكتوراه».