تحدّث فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب فى احتفال الدولة الرسمى بمولد النبى صلى الله عليه وسلم، والذى حضره الرئيس السيسى، عن أهمية السنة ومكانتها فى الإسلام، وأنها العمود الثانى للإسلام بعد القرآن، وأنها الشارحة والمفسرة والمبيّنة لمجمله والموضحة لمعانيه، وهى التطبيق العملى للقرآن فى واقع الحياة، وأن الإسلام بغير السنة النبوية بأقسامها كالرأس بلا جسد.
وكأنه يقول: المعنى الحقيقى لإلغاء السنة يعنى حذف الرسول صلى الله عليه وسلم من منظومة الإسلام، فما معنى وجود الرسول إذا لم تكن أقواله وأفعاله وتصرفاته هى المنهج العلمى الذى يجعل القرآن حياً واقعاً نابضاً على الأرض؟!
وقد مُحصت السنة تمحيصاً علمياً نادراً لم يحدث فى أى دين آخر، ورغم ذلك يريد البعض حذفها، وهى التى بدأت كتابتها فى حياة الرسول، وليس بعده بمئات السنين مثلما حدث مع رسل آخرين.
وكأن الإمام أراد أن يسأل الذين يريدون حذف السنة والاكتفاء بالقرآن: هل فيه صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء وأعداد ركعاتها وهيئاتها ومقادير الزكاة وغيرها؟! فلولا السنة لضاعت هذه الأركان.
لا أدرى ماذا فى السنة يضايق هؤلاء، فأغلبها حكَم رائعة مثل «الراحمون يرحمهم الرحمن»، «المحتكر ملعون»، «من غشنا فليس منا»، «حصّنوا أموالكم بالزكاة»، «مطل الغنى ظلم»، «إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها»، «ابدأ بمن تعول»، «اعمل ما شئت فإنك مجزى به»، «خذوا ما حل ودعوا ما حرم»، «لا يستر عبد عبداً فى الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة»، «لا تجسسوا»، «خير الناس أنفعهم للناس»، «ما كان الرفق فى شىء إلا زانه وما نُزع من شىء إلا شانه»، وهكذا.. ملايين الحكم العظيمة التى يريد هؤلاء حذفها دون مبرر.
أما كلمة د. محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، فهى كلمة جيدة ومحكمة أيضاً ولا تتناقض مع كلمة الإمام الأكبر كما أشيع ويشاع، بل تتممها وتكملها، فهى تدعو إلى الحفاظ على الثوابت، وعلى رأسها السنة، ولكنها تتحدث عن طريقة التعامل مع السنة، فهناك علة لكل حديث، والحكم فى كل حديث يدور مع علته وجوداً وعدماً.
فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً عن حمل المصحف إلى بلاد الكفار، والعلة فى ذلك إهانتهم قديماً للمصحف، أما الآن فلا يوجد ذلك، بل يُطبع المصحف نفسه فى هذه البلاد ويباع ويوزع علانية، فانتفت العلة وانتفى معها النهى والحكم، وليس هذا إلغاءً للحديث الشريف، ولكنه دوران فى فلكه وإعمال له بحق.
ومن إعمال وتطبيق السنة التفريق بين ما قاله وفعله رسول الله باعتباره بشراً كسائر البشر، وبين ما فعله باعتباره رسولاً مبلغاً عن الله، وبين ما فعله باعتباره قائداً عسكرياً.
فأوامره العسكرية مثل «من قتل قتيلاً فله سلبه»، «للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم»، كل ذلك لا ينطبق على عالم العسكرية الحديثة التى اختلفت جذرياً، فقد كان الجندى قديماً يحضر دبابته أو مدرعته (أى حصانه)، وسلاحه (سيفه ورمحه) من ماله الخاص، أما الآن فالضابط والجندى يكفله الجيش، بداية من ملابسه حتى طعامه وسلاحه.
هذه الأمثلة لم يذكرها وزير الأوقاف، أما المثال الذى ضربه بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «من أحياً أرضا مواتاً فهى له»، وأنه يدخل فى تصرفات الرسول كحاكم للدولة وليس مبلغاً لرسالة السماء، وأنه بمقدور الدولة الحديثة أن تتخذ طريقاً آخر فى هذه المسألة يتناسب مع العصر ويتناغم مع مصلحة شعبها، فلا يمكن لأشخاص أن يستولوا على آلاف الأفدنة ثم يستصلحوها ويملكوها، فهذا لا يصلح فى الدولة الحديثة التى تضار من هذا التصرف.
وهنا يمكن تلخيص قضايا التعامل مع السنة فى ثلاث نقاط: السنة جزء أصيل من الإسلام، دوران الحكم مع علته وجوداً وعدماً، تقسيم تصرفات الرسول وأقواله بحسب النبوة أو غيرها، فما قاله أو فعله بحسب النبوة وجب تنفيذه ولا مجال لإهماله أو تركه أو التغافل عنه، أما الباقى فيُعامل بحسب عادات ومصالح وأعراف الأمم.
وعلى الذين يريدون إشعال حرب بين الرجلين أو المؤسستين العريقتين، أو بين الإمام والدولة، أن يبتعدوا عن ذلك ولا يصيدوا فى الماء العكر. وينبغى علينا جميعاً أن نكون مع ثوابت الإسلام فى صلابة الحديد وهى قليلة ومعروفة، ومع متغيراته فى مرونة الحرير وهى كثيرة ولا تُحصر. اللهم اجمعنا على الحق والخير.