عندما تزداد ضغوط الحياة ومطالبها ومشاغلها وإخفاقاتها وصدماتها وأفراحها وآلامها والمواجهات والنجاحات والأمنيات والتطلعات ودخول المسابقات بحثاً عن المراكز المتقدمة وقصص الحب والصداقات والزمالة التى تؤنس القلوب، حينئذ يجد الإنسان رأسه يزداد ثقلاً، وكأنه سيسقط من مكانه لزيادة الحمولة عليه وتقل قدرته على المواجهة فلا يجد مخرجاً له من كل هذا إلا بالهروب إلى الأحلام فيغمض عينيه ويسبح ويغوص ويطفو ويملأ رئتيه بالهواء النقى ويشبع بصره بالنظرة الخاطفة للسماء الصافية ثم يعاود الهبوط لقاع البحر من جديد، بحثاً عن اللؤلؤة التى يتمناها، وعندما تضيق أنفاسه يستدير برأسه ويبدأ فى الاتجاه للسطح بحثاً عن التقاط الأنفاس، ومشهد الطيور التى تحلق بالقرب من سطح البحر للفوز بغذاء بحرى طازج وسريع أو سرب طيور أخرى مهاجرة بحثاً عن الدفء، وهكذا تسير به أحلامه بين مشاهد لا تنسى وأخرى تشكل الحياة الواقعية التى نذوب فيها دون أن ندرى وبالقوة الجبرية، وهناك منا من يستجدى الذكريات ليشاهد الغائبين فى أحلامه ويتحدث إليهم ويحقق ما يريد ويبنى القصر الذى يتمناه ويملك اليخت والزوجة الجميلة والأبناء والشركات وو وو، ولمثل هؤلاء فإن الأحلام هى الزاد والزواد لبقائهم سعداء قادرين على ممارسة الحياة اليومية بما تحمل من مختلف المواقف والأحداث والمفاجآت، والزاد فى معجم المعانى الجامع فى اللغة العربية هو الطعام الذى يتخذ للسفر ومصدره زود ويعنى التزويد بما يكفى من مؤن، ولا يقتصر المعنى على الطعام فقط، حيث يقولون (تزويد الجيش بآلات جديدة) أى تجهيزه بالجديد، كما يقولون زودتنى الحياة بالتجارب أى أصبح الآن ذا خبرة، ويقال أيضاً نزود الطالب بالكتب أى نمنحه ما يريد لدراسته كما أن ما يكتسبه الإنسان من خير أو شر هو الزاد أيضاً، وعودة للأحلام وجمالها وما تمنحه لنا من سعادة أتذكر ما قالته إحدى الصديقات لى عندما تحدثنا عن الأحلام وماذا تعنى لكل منا، إنها تغمض عينيها كل يوم وتدعو الله أن تلتقى بالأحبة الغائبين عنها وتتحدث معهم، وإنها فى أغلب الليالى تحلم بهم وتنسى البعاد والمسافات والأيام والفراق وسط الحلم، وإن ذكرياتها معهم هى الزاد لتلك الأحلام، ويبدو أن ذلك الزاد الإنسانى عرف منذ قديم الزمن أيام الحضارة السومرية التى هى أقدم حضارة عرفتها الإنسانية، كما عرفها الإغريق والرومان واعتبروها رسائل الآلهة للبشر، حيث كانوا يعتمدون على تفسيرها بهدف إرشاد القادة العسكريين فى ساحات القتال، وفى مصر القديمة اعتبر الأشخاص الذين يفكون رموز الأحلام إناساً مميزين، بينما يعتبرها الصينيون طريقة لزيارة الموتى وفى الهند يوجد بعض القبائل يؤمنون بأن الأحلام عالم آخر نزوره عندما نستغرق فى النوم، وفى عام ١٩٠٠ كتب سيجمون فرويد (تفسير الأحلام)، الذى ترجم فيه معانى ما نراه أثناء النوم، وأكد أنها ببساطة شديدة انطباعات وأفكار ومشاعر نحملها داخلنا وتمر فى عقولنا خلال فترة النوم، وفى عام ١٩٥٣ توصل علماء النفس إلى أن الأحلام تستخدم كل أنواع الحواس الإنسانية من لمس وسمع ورؤية وتذوق، حيث يرى الشخص فى أحلامه ما يريد أن يمتلكه أو يصل إليه فى الواقع، وعادة ما يدخل الإنسان عالم الأحلام فى فترة (حركة العين السريعة) أثناء النوم ولا تزيد تلك الفترة على ساعة، إلا أنها قد تتكرر أكثر من مرة فى الليلة الواحدة، كما تحدثوا عن (الحلم الجلى) وهو نوع من الأحلام يدرك فيها النائم أنه يحلم ويتذكر كل ما شاهد بعد أن يستيقظ، والآن تم إنشاء (مؤسسة الأحلام فى كندا)، التى يبحث أعضاؤها عن الجديد فى هذا العالم ويجرون تجاربهم للوصول إلى أن يرى الإنسان ما يريد فى أحلامه، وذلك عن طريق مراقبة النائمين وقياس جميع وظائفهم الحيوية خاصة نشاط المخ، أما أنا فأقول لأحبتى ابحثوا عن زادكم من حب وجمال ونجاح وأمانى بالسعادة والفرح لتستمتعوا بالأحلام.