اتجوزت واتطلقت واشتغلت «مقاول أنفار».. لا طليقها بيصرف على ولاده ولا الناس سايباها فى حالها: هى دى مصر يا «عبلة»
«عبلة» وسط العمال
جسد نحيل يغطيه جلباب فضفاض، وجه أسمر منهك من العمل طيلة النهار، عينان تشردان فى ماضٍ يحمل ذكريات سيئة ومستقبل غامض لا يعلمه إلا الله.. هكذا تبدو عبلة الطاهر، 43 عاماً، فى صورة المرأة العاملة المكافحة، التى لا تعمل لتثبت نفسها أو لتحقق طموحاً بعينه، بل لتعول ابنيها التوأم «يوسف وشروق».
فى سن مبكرة، تزوّجت «عبلة»، وفى سن مبكرة أيضاً ذاقت مرارة الانفصال، فالمجتمع الصعيدى الذى تعيش فيه لا يعترف بحقوق المرأة المطلقة، لكنها حفرت فى الصخر حتى تثبت أمام أهل بلدتها بمركز الطود جنوب الأقصر، أنها قادرة على العمل وأنها لن تعيش على رحمة «النفقة» التى لا تحصل عليها: «باشتغل مقاول أنفار، بقعد وسط العمال فى الزراعات، وباتنقل بعربة كارو لمتابعة الشغل، ماليش دعوة بحد، وكلام الناس مش بيؤثر فيا، هما فى الأول استغربوا من شغلى، لكن بعد كده اتعودوا».
حصلت على دبلوم التجارة عام ١٩٩٤، وبعد انفصالها عن زوجها، اقتحمت سوق العمل، فى البداية عملت فى محال البقالة، ثم اتجهت إلى الخردة وجمع المخلفات، ومنها عملت فى مهن أخرى مختلفة، حتى استقرت فى مهنة مقاول الأنفار: «أنا اللى باصرف على عيالى محدش بيساعدنى، وزوجى ماعرفش عنه حاجة، من يوم انفصالنا وهو مش ملتزم بالنفقة، لحد ما اختفى خالص».
6 سنوات فى هذه المهنة جعلتها تحظى بثقة الأهالى واحترام العمال والمزارعين لما هو معروف عنها من الهمة والنشاط وإعطاء الحقوق لأصحابها: «باصحى كل يوم الفجر، أجمع الأنفار وأوزعهم على الزراعات، حسب حاجة كل صاحب أرض، فيه ناس بتبقى عايزة أنفار لجنى الطماطم أو العنب أو البلح، وفيه بيبقوا عايزين أنفار لبسط الأرض وإصلاحها، وكل عمل له أجرة معينة».
لم تنفِ «عبلة» تعرّضها لمضايقات، فما زال البعض ينظر إليها نظرة عنصرية: «لسه ناس بتسأل إزاى واحدة ست تشتغل فى الشغلانة دى، لكن أنا مش باهتم برأى حد، أنا باشتغل علشان أربى عيالى وأعلمهم، خاصة أنهم فى الصف السادس الابتدائى، ومحتاجين اهتمام ورعاية»، لافتة إلى أنها فى وسط مشاغلها لا تهمل تثقيف نفسها، والتعرف على الأحداث الجارية فى مصر وخارجها، ليس هذا فقط، بل تهتم بحضور المؤتمرات والندوات، خاصة التى تهتم بقضايا المرأة: «ساعات باتكلم فى بعض الندوات عن حقوق المرأة ومعاناتها من عدم وجود سند أو واسطة علشان تشتغل، وباحكى لهم تجربتى فى الشغل، أنا قدمت على وظايف كتير بمؤهلى وماعرفتش أشتغل علشان مفيش واسطة».
تتمنى «عبلة» أن تحصل على عمل مناسب فى مركز الطود الذى تنتمى إليه، فى وظيفة أخرى تساعدها على تحمل مشقة الحياة، كما تتمنى أن تحضر مؤتمر الشباب وأن تتحدث أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى عما يواجه السيدات فى الصعيد من صعوبات ومتاعب.
على عربتها الكارو