يصف ابن كثير «هند بنت عتبة» فى كتابه «البداية والنهاية» قائلاً: «هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن أمية الأموية والدة معاوية بن أبى سفيان، وكانت من سيدات نساء قريش ذات رأى ودهاء ورياسة فى قومها، وقد شهدت يوم أحد مع زوجها، وكان لها تحريض على قتل المسلمين يومئذ، ولما قُتل حمزة مثّلت به وأخذت من كبده فلاكتها، فلم تستطع إساغتها، وبعد ذلك كله أسلمت وحسن إسلامها عام الفتح بعد زوجها بليلة، ولما أرادت الذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه، استأذنت أبا سفيان، فقال لها: قد كنت بالأمس مكذبة بهذا الأمر، فقالت: والله ما رأيت الله عُبد حق عبادته بهذا المسجد قبل هذه الليلة، والله لقد باتوا ليلهم كلهم يصلون فيه، فقال لها: إنك قد فعلت ما فعلت فلا تذهبى وحدك، فذهبت إلى عثمان بن عفان، ويقال إلى أخيها أبى حذيفة بن عتبة، فذهب معها فدخلت وهى منتقبة، فلما بايعها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيرها من النساء، قال: على ألا تشركن بالله شيئاً، ولا تسرقن ولا تزنين، فقالت: أوتزنى الحرة؟، ولا تقتلن أولادكن، قالت: قد ربيناهم صغاراً لتقتلهم كباراً، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم».
تريد الرواية السابقة لابن كثير التأكيد على الانقلاب الذى حدث فى تفكير هند بنت عتبة ما بين عشية وضحاها، ففى العشية كانت «هند» تنظر إلى محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين كأعداء ألداء، وفجأة تغير حالها عندما وجدتهم يصلون، فلم تر من هم أعبد لله تعالى منهم. أراد الراوى التأكيد على التحول الدينى الذى وقع فى حياة «هند»، لكنه من حيث لا يدرى أعطى الكثير من المبررات التى تؤشر إلى أن التحول الذى طرأ على السيدة كان تحولاً سياسياً بامتياز. فحين طلب النبى صلى الله عليه وسلم من «هند» أن تبايعه على ألا تقتل أولادها، كان ردها: قد ربيناهم صغاراً لتقتلهم كباراً، ويدل هذا الرد على عدم نسيان ثأرها «السياسى» مع المسلمين الذى دفعها ذات يوم إلى أن تمثل بجثة عم النبى وتأكل كبده، وما كان إلا أن لاكته ولفظته. كذلك لم تكن صلاة المسلمين بالكعبة بالحدث الجديد الذى وقع ليلة فتح مكة وفقط، بل سبق هذا الفعل ذلك التاريخ بعدة سنوات.
أسلمت «هند» «إسلاماً سياسياً»، مثلها فى ذلك مثل «أبى سفيان» ومعاوية، وربما كانت سياقات إسلامهم تؤشر إلى أن الثلاثة كانت لديهم رؤية ونظرة محددة إلى الأمر، ملخصها أن محمداً قد ظهر على العرب، وأنه لا بديل عن الاستسلام للموقف، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، ومؤكد أن «مُلك» محمد صلى الله عليه وسلم -على حد وصف أبى سفيان- قد أعجبهم، وتمنوا لو تحول هذا الملك إليهم ذات يوم. ويروى «ابن الأثير» أن أبا سفيان لما رأى الجنود المصطفة حول محمد صلى الله عليه وسلم من كل اتجاه قال للعباس: «لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً». فقال العباس: «ويحك إنها النبوة». فقال أبوسفيان: «نعم إذن». فأبوسفيان لم يكترث لأمر النبوة، قدر اكتراثه بأمر الملك، وكأنه كان ينظر إلى التحقيق الذى أنجزه «محمد» على أنه يقع فقط فى سياق الملك!.