«القاتل الصامت».. مرضى الكلى.. رحلة عذاب مع «الغسيل»
عدد من المرضى فى انتظار دورهم فى إجراء الغسيل الكلوى
دقات الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً، بوابة الاستقبال والعيادات والزيارات بمعهد الكلى بالمطرية تبدو هادئة، حيث جلس بعض المرضى على الكراسى البلاستيكية الموجودة فى مدخل المعهد فى انتظار خروج ذويهم من وحدة الغسيل الكلوى، فيما وقف آخرون على شباك التذاكر لقطع كشف أو لإجراء أشعة وتحاليل داخل المعهد، كسر هدوء المستشفى دخول شاب ثلاثينى مسرعاً وعلى كتفيه والدته العجوز التى كانت تتألم من شدة الوجع، ينادى بصوت مرتفع على أحد أفراد الأمن الموجودين داخل المعهد، قائلاً له: «محتاج كرسى عشان أطلع بأمى تغسل كلى»، لكن رد الموظف كان بالنسبة له صادماً، حيث فوجئ بعدم وجود كراسى متحركة تساعده فى نقل أمه، مما اضطره إلى حملها مرة أخرى والصعود بها إلى الطابق الثانى.
أجهزة معهد المطرية عفى عليها الزمن.. وفلاتر معطلة تعرض حياة المريض للخطر
دقائق قليلة مرت، ثم عاد الشاب الثلاثينى وأمه «أمينة. أ»، 73 عاماً، إلى قسم الاستقبال مرة أخرى، لإجراء بعض التحاليل الطبية، تروى السيدة السبعينية معاناتها التى بدأت منذ 3 سنوات حين أصيبت بقصور فى وظائف الكلى، ورغم تناولها لمدة عامين أدوية كثيرة بناء على تعليمات الأطباء إلا أن حالتها الصحية كانت تزداد سوءاً، على حد قولها: «كنت تعبانة جداًً والعلاج ما بيجبش نتيجة، كنت باجى أكشف تقريباً كل شهر أعمل أشعة وتحاليل آخد الدوا المتاح فى الصيدلية، لكن حالتى تدهورت أكتر وماكانش فيه استجابة للعلاج».
لم يكن أمام السيدة السبعينية بعد تدهور صحتها سوى الاختيار ما بين تركيب دعامة للكلى أو إجراء جلسات غسيل كلوى، إلا أنها قررت فى أبريل الماضى الخضوع لعملية تركيب الدعامة خوفاً من آلام الغسيل، بحسب كلامها: «اخترت أعمل عملية الدعامة عشان ما أتبهدلش كل أسبوع فى الوحدات وأبهدل ابنى معايا، دفعت 5000 جنيه، بس وقتها ماكنتش بعرف أنام على جنبى اليمين خالص ولما رحت للدكتور قال لى هنشيلها ودفعونى 1500 جنيه تانى رغم إنى ما ارتحتش خالص»، مشيرة إلى أن الطبيب الذى أجرى لها عملية إزالة الدعامة وضع لها «بنج موضعى»، مما جعلها تشعر بما حولها: «كانوا بيدوروا على الدعامة عشان يشيلوها، كنت فاكرة إنى هرتاح خلاص بس الألم فى جنبى زاد وما بقتش بقدر أقوم من على السرير ولو كنت أعرف إن كل ده هيحصل لى كنت غسلت كلى وريحت نفسى».
وتختتم ابنة محافظة قنا حديثها، قائلة بصوت منخفض ومتقطع: «المرض نهش فى كليتى ومحدش هنا بيقول لى على العلاج اللى هيريحينى، حتى رجليا خلاص مابقتش أمشى عليها زى ما كنت جاية ليهم لدرجة إن ابنى هو اللى بيشيلنى داخل المستشفى وفى كل مشاويرى».
«سماح»: ننتظر أياماً دون علاج حتى توفر الإدارة الأدوية والمحاليل.. و«أمينة»: ابنى بيشيلنى داخل المستشفى لعدم وجود كراسى متحركة
على بعد خطوات من بوابة الاستقبال، جلس شاب ثلاثينى، فضل عدم ذكر اسمه، فى انتظار خروج والده من وحدة الغسيل الكلوى التى تستغرق 4 ساعات، يقول إنه اعتاد الذهاب مع والده إلى المعهد منذ 4 سنوات بعدما أصيب بفشل كلوى أجبره على الخضوع إلى جلسات غسيل بعدما فشل بعض الأطباء فى علاجه بالأدوية، ورغم أن المعهد، وفقاً لكلامه، من أكبر المستشفيات المتخصصة فى علاج الكلى ويستقبل يومياً المئات من المرضى إلا أنه يعانى مشكلات عديدة، أبرزها عدم توافر أحد المحاليل التى يحتاج إليها والده أثناء جلسة الغسيل داخل الصيدلية الخاصة بالمعهد، مما يضطره إلى شرائها على نفقته الخاصة 3 مرات أسبوعياً حتى يتمكن والده من إجراء الجلسة.
لم يكن عدم توافر بعض المحاليل داخل المعهد هو المشكلة الوحيدة التى تواجه مرضى الفشل الكلوى، حيث يشكو والده من سوء فلاتر الغسيل الكلوى التى تتعطل بين الحين والآخر مما يعرض حياته للخطر، وفقاً لكلام الرجل الثلاثينى: «والدى بقاله 3 جلسات بيتعب جداً وجسمه بيتغير للون الأزرق وهو بيغسل وده ماكانش بيحصل قبل كده، فسأل الممرضة عن السبب قالت له معلش الفلاتر بايظة فبتتعطل وده بيخلى يحصلك شبه تجلط للدم بس إحنا بنلحقه»، مضيفاً بنبرة غاضبة: «ماينفعش يجازفوا بحياة المرضى، وبدل ما يخففوا وجعهم بيزودوه بسبب إهمالهم لأن الجهاز ممكن فى مرة يقف خالص وهما بيغسلوا ساعتها حياتهم هتروح زى ما حصل قبل كده».
يصمت الشاب الثلاثينى قليلاً، ثم يعاود حديثه قائلاً بنبرة غاضبة: «كان فيه أكتر من طبيب داخل وحدات الغسيل بيمروا على المرضى ويقيسوا ليهم الضغط، ولما كان والدى بيتعب بيقولهم وكانوا بيكتبوا ليه على أدوية تخفف عليهم الوجع لكن دلوقتى محدش بيعبرهم»، مضيفاً أن الأجهزة التى تستخدم فى الغسيل الكلوى عفى عليها الزمن.
لم يختلف الوضع كثيراً بالنسبة لـ«سماح. ح»، 42 عاماً، التى كانت تجلس على كرسى متحرك فى انتظار مجىء ابنها ليعود بها إلى منزلها، بعدما أنهت جلسة الغسيل التى تجريها 3 مرات أسبوعياً، تقول بصوت خافت يبدو عليه التعب: «أجهزة الغسيل فى المعهد بتعطل كتير ومحتاجة تتجدد، وده بيأخر جلساتنا بالساعات، ولأن عددنا كبير المكان بيزدحم بالمرضى وممكن نقضى اليوم كله بالمستشفى عشان نغسل، وده بيتعبنا أكتر»، لافتة إلى أنها تتوجه إلى المعهد فى تمام الساعة 6 صباحاً لحجز دورها تفادياً للزحام.
وتشكو «سماح» التى تعالج من الفشل بالمعهد منذ 18 عاماً من عدم توافر بعض المحاليل والأدوية التى تحتاجها داخل صيدلية المعهد، إذ تضطر، وفقاً لكلامها، للانتظار لأيام دون علاج حتى توفرها إدارة المستشفى مرة أخرى لعدم قدرتها على شرائها على نفقتها الخاصة.