ما إن يتسلم الزوج أول إعلان حتى يتحول الأمر إلى مبارزة قضائية.. مين افترى.. مين يتنازل؟ إحنا نروح محكمة الأسرة
محكمة الأسرة
لا تخلو طرقات محاكم الأسرة من سيدات باحثات عن الطلاق أو الخُلع، ولا تنتهى الدعاوى القضائية المطالبة بالنفقة من آباء تركوا أبناءهم وزوجاتهم وانتقلوا للعيش بعيداً، وأزواج يطلبون زوجاتهم فى بيت الطاعة أو دعاوى النشوز.. الجميع يتزاحمون فى قاعات المحاكم التى أصبحت الوسيلة الوحيدة للبحث عن الحقوق المالية والاجتماعية، فى ظل غياب الدور العرفى الذى كان المحطة الأولى التى لا يتجاوزها قطار المشكلات والخلافات الزوجية والأسرية فى المجتمع، بحضور «حَكم من أهله وحَكم من أهلها» وإنهاء الأمور قبل تفاقمها.
«مكاتب التسوية» فى محاكم الأسرة باتت تلعب دوراً موازياً لدور العائلات والجلسات العرفية، لكنها تخلص إلى اتفاقات أو تصالح أو قرارات ملزمة بقوة القانون، وهى مكاتب تابعة لوزارة العدل تتكون من أخصائيين اجتماعيين ونفسيين وقانونيين، وتقع فى نطاق كل محكمة أسرة، يتم التقدم إليها بطلبات للتسوية قبل أن تصل الدعاوى إلى المحكمة للنظر فيها، وتعمل على فض النزاعات الأسرية القائمة بين الأزواج، والخاصة بقضايا الطلاق والخلع والنفقات والمتعة والحضانة والطاعة والمسكن وغيرها. وتعتمد مكاتب التسوية مهلة مدتها 15 يوماً قابلة للتجديد بالاتفاق، قبل أن ينظر القاضى فى شأن الدعوى، وتصل، فى عدد لا بأس به من القضايا، إلى اتفاق وتصالح بين الأطراف المتقاضية.
دور العائلات فى حل المشاكل والنزاعات الأسرية، خاصة بين الأزواج، أصبح منحسراً فى الفترة الحالية، خاصة فى المدن والحضر، حيث لا يعرف أحد مَن حوله حتى جيرانه، ولا ترتبط العائلات بالسكن فى مكان أو منطقة واحدة، وبالتالى أصبحت العائلات مفككة ولا تعترف بعقلائها وكبارها، على عكس الريف والقرى بوجه بحرى والصعيد، حيث لا تزال تلك العادات والتقاليد معمولاً بها، وهو ما ينعكس على قلة عدد القضايا المرفوعة فى تلك الأماكن عن مثيلاتها فى المدن، كما أن تأثير وسائل الإعلام والدراما ومواقع التواصل، التى أصبحت تنادى بضرورة تطليق المرأة وأنه أمر طبيعى وسهل، أصبح شائعاً وكبيراً فى القاهرة والمدن أكثر منه فى المناطق الريفية.
خبير قانونى: أهل الصعيد والريف يحتفظون بالعادات والتقاليد فى حل خلافاتهم.. والضغوط الاقتصادية حجّمت دور الأسر فى التدخل.. والزوجات يتسرعن فى اللجوء إلى محاكم الأسرة
الخبير القانونى والمحامى بالنقض «شعبان سعيد»، قال لـ«الوطن» إن الزوجة عليها العامل الأكبر فى الدعاوى القضائية، لأنها بمجرد لجوئها للمحكمة لمقاضاة الزوج، تغلق الباب أمام الصلح والتراجع عن حالة العداء، وتترك فى الزوج انطباعاً سيئاً وتكسر العلاقة بينهما، ما يدفعه للجوء لمحامٍ للرد بدعاوى الطاعة وغيرها، ويبدأ ماراثون القضايا والتردد على المحاكم لسنوات طويلة، ما يجعل العودة للعلاقة الزوجية شبه مستحيلة، لأنها تصبح مسألة تحد بين الطرفين.
وعن دور العائلات قال «سعيد» إن هناك بعض أسر الزوجات تتدخل سلبياً فى الخلافات بين الزوجة وزوجها، وتتسرع باللجوء للمحاكم دون إعمال العقل حتى لو كانت المشكلة صغيرة ولا تستدعى، لأن الزوج غالباً يمكن السيطرة عليه وإقناعه بالعدول عن الانفصال، خاصة لو كان هناك أبناء، حتى ولو كان هو المخطئ، لأن الوقت كفيل بجعله يعتذر عن الخطأ الذى بدر منه، لكن فى حالة تسلمه إنذاراً بدعوى قضائية تتعقد الأمور وتنقلب إلى صراع قضائى بين الطرفين لا يسهل العودة منه.
وأوضح «سعيد» أن الأمر مختلف تماماً فى الريف والصعيد عنه فى القاهرة والمدن، خاصة أن الصعيد تحكمه عادات وتقاليد تُلزم الأزواج بالانصياع لرأى كبار العائلات والعقلاء من الجانبين، مشيراً إلى أن قلة عدد القضايا هناك يرجع إلى النظرة المتدنية التى توجد هناك للطلاق والنظر للعبء الذى يمثله، سواء على الجانب المادى أو المعنوى بالنسبة للأسر، وهو ما يفتح الباب أمام التصالح والجلسات العرفية والأحكام الملزمة للطرفين، والتى تحافظ على قوام الأسرة المصرية فى معظم الأحيان، باستثناء الحالات التى تستحيل فيها الحياة الزوجية.
وفى المدن، يرى «سعيد» أن الأهالى يلجأون للمحاكم كنوع من التسرع والاستسهال، وفى بعض الأحيان يكون ذلك كورقة للضغط على الزوج مثلاً، لكن الأمر يتحول لوصمة يعتبرها الزوج هجوماً مبكراً من أسرة زوجته، ليتحول الأمر إلى مباراة فى المحاكم بين الطرفين وتستحيل العودة إلى التصالح، خاصة فى ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، حتى فى حالة محاولة استدعاء كبار العائلات من المحافظات البعيدة، بما يتضمنه ذلك من مصاريف ومشقة تقف حائلاً بين الجانبين فى إتمام عملية التصالح التى تتطلب أكثر من جلسة وأكثر من حديث.
وحول مكاتب التسوية، قال «شعبان» إن دورها كان متميزاً فى بداية إنشائها فى ظل عدد قليل من القضايا، كان القائمون عليها يهتمون بها ويجدون الوقت والإمكانات المناسبة لإتمام عمليات الصلح وتقريب وجهات النظر، ويقومون بالاتصال بالطرفين ومقابلتهما أكثر من مرة، لكن حالياً أصبح هذا الدور روتينياً ولا يتم بالشكل المطلوب فى ظل ارتفاع أعداد الطلبات المقدمة، ما يجعلها تقدم لمكاتب التسوية وتسجل بالدفاتر ثم تحال للمحاكمة بداعى عدم التوصل لاتفاق بين الطرفين.
ونصح المحامى بالنقض الزوجات والأهالى بعدم اللجوء مباشرة إلى المحاكم عقب حدوث أى مشكلة، لأن ذلك ينهى أى آمال للتصالح ويكون بمثابة شهادة وفاة للعلاقة الزوجية، لكن الحل الأمثل أن يتم الانتظار واللجوء للعقلاء من الجانبين ومحاولة الصلح وحل المشكلات والتغاضى عن السلبيات بالضمانات المناسبة التى تضمن للزوجة حقوقها مستقبلاً، وأيضاً الزوج، خاصة فى حالة وجود أطفال، وأن الخلاف يحتمل الحديث ولا تستحيل معه الحياة الزوجية.