«ضحايا عمال الطوب الأحمر»: عجز وحرمان بدون تأمينات وعوامل الأمن والسلامة معدومة
غياب عوامل السلامة داخل المصانع يزيد من إصابات العمل
رغم ما يتردد على أسماعهم من أمراض أصابت زملاءهم مع مرور الوقت، خرجوا إلى عملهم مثقلين بهموم لا طاقة لهم بها، ولم يكن أمامهم حل آخر، رغم ما تحمله هذه المهنة من أعباء أرقتهم لأعوام طويلة يتغافلون عنها بكل ما فى وسعهم، مستعينين على جلب أرزاقهم بصحتهم التى لا يملكون غيرها، حتى عاشوا أوضاعاً صعبة بعد إصابتهم فى أثناء عملهم فى صناعة الطوب الأحمر، فى سبيل بحثهم عن «لقمة العيش»، فركز كل منهم على «قوت يومه»، غير عابئ بالمستقبل وما يحمله لشبابه وأبنائه، إلا أن هذه أيضاً لم تستمر معهم طويلاً، فإصابة عمل قد تقلب لهم الأمور رأساً على عقب.
خرج محمد على من بيته بقرية الجزيرة، التابعة لمركز العياط، باكراً متجهاً إلى أحد المصانع، فى يوم اختلف كثيراً عن الأيام السابقة، مرت فيه ساعات العمل الأولى فى هدوء، يعمل بالعصفورة (يحمل على ظهره الطوب من داخل الفرن ليضعه فى الخارج)، وفى منتصف اليوم ذهب أعلى الفرن ليحضر الشاى لزملائه، فانجرفت رجله من أعلى الفرن، ليسقط على رأسه، حتى أسرع إليه زملاؤه من كل جانب فإذا بهم يرون الدم قد أغرق رأسه وجسده، وفقاً لشقيقه «على أبوعلى».
«على» سقط من أعلى الفرن على رأسه ولفظ أنفاسه الأخيرة
بنبرة حزن تجسد المشهد أمام «على» مرة ثانية رغم مرور أكثر من 4 أعوام، إلا أن الأزمة لم تكن فى الحادث نفسه، وإنما جاءت فيما ترتب عليه بعد ذلك، لأن شقيقه ترك له 4 أطفال أكبرهم من ذوى الاحتياجات الخاصة، حتى أصبح هو المسئول عنهم، فلم يكن يعلم الشاب الثلاثينى أن سعيه وراء تعويض لأبناء شقيقه سيكون سبباً فى تركه العمل داخل المصنع، فبعد أن رفض العمال الإدلاء بشهادتهم خوفاً على مصدر رزقهم الوحيد، طرده صاحب المصنع من عمله دون حجة، مع عدم الاعتراف بأن الإصابة كانت فى محل العمل للتهرب من المسئولية، حسبما ذكر شقيقه: «علشان هو واصل عرف يخوف العمال، ورغم إن أخويا فضل 7 أيام فى غيبوبة محدش سأل فيه، وصاحب المصنع قال ماليش دعوة».
أزمة أخرى لم تختلف كثيراً عن الأزمة السابقة، تعرض لها هذه المرة عماد حسن، ورغم اختلاف المكان والزمان وتفاصيل كل حادث عن غيره، فإن النتيجة كانت واحدة، إصابة يعقبها عدم تعويض، يحكى حسن عزوز، عن أزمة عماد الشاب الثلاثينى، أحد زملائه، التى وقعت العام الماضى، عندما خرج من بيته متجهاً إلى عمله بـ«الكسارة»، (أحد مواتير خط الإنتاج)، ويشاء القدر أن يكون ضحية حادث لم يفِق منه إلا وهو فى أحد المستشفيات بالعياط، ومن حوله زملاؤه، بعد أن أجريت له عملية بتر لذراعه اليمنى، بسبب سحب الموتور للسيخ الحديد الذى يقوم بتسليك الكسارة به: «لو حاجة كبيرة دخلت الموتور بيعرش ويقف، والماكينة متقدرش تعديها وهو بيسلكها سحبت إيده بالعتلة الحديد وقطعتها».
بداية مبشرة كانت هى أول ما استُقبل به «عماد» فى عمله مرة أخرى، لكن كصاحب سنترال تليفونات بقرية باجة الشيخ، بعد أن دفع له صاحب المصنع تعويضاً 25 ألف جنيه ليتنازل عن القضية التى رفعها ضده.
عوامل الأمن والسلامة معدومة داخل مصانع الطوب، بحسب محمود عيد، أحد ضحايا العمل بالفرن، بعد أن أصابته النار المستخدمة فى تسوية الطوب لتحرق يديه، يقول إن أصحاب المصانع لا يسلمونهم أى شىء، ويكون هناك بعض عوامل السلامة الرخيصة الموجودة داخل كل مصنع، وهى لا تحتوى سوى على إسعافات أولية، فيكون ضررها أكثر من نفعها، فضلاً عن عدم وجود مستشفيات بالقرب منهم.