وحدات الأفلام تغزو القنوات: التعافى من الاستسلام لأكاذيب «الجزيرة»
مشهد من فيلم «عبدالرحمن السندى»
يحرص عدد من القنوات الإعلامية على تدشين وحدات خاصة لإنتاج الأفلام الوثائقية، لا سيما بعد غياب هذا الفن عن الإعلام منذ سنوات عديدة، إذ إن هناك حالة من التعافى والنشاط فى عملية الإنتاج ظهرت بوادرها خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث أطلقت بعض المنصات الإعلامية عدداً من الأفلام التى تدور حول جرائم «الإخوان» الإرهابية، وأسر الشهداء، فضلاً عن الحضارة المصرية.
من جانبه، فسّر الكاتب الصحفى أحمد الدرينى، مدير وحدة الأفلام الوثائقية داخل قناة «dmc»، تجاهل هذه النوعية من الأفلام فى مصر على مدار السنوات الماضية، حيث يرجع الأمر إلى استحواذ قناة «الجزيرة» على هذا اللون، فقد كانت تنتج أعمالاً ضخمة وتشترى أفلاماً مترجمة، بجانب إنتاجها المحتوى العربى، الذى كان يخرج معظمه من مصر، وذلك نظراً لعوامل تتعلق بالتاريخ والجغرافيا والسياسة، إذ إنها دولة محورية فى الأحداث منذ قديم الزمان.
مدير وحدة وثائقيات فى «دى إم سى»: غيرة مهنية أصابت القنوات وانتشارها بمثابة الحصول على «الشرعية» ووجود ضرورة سياسية وراء إنتاجها
وقال «الدرينى» لـ«الوطن» إن الاهتمام بالوثائقيات مؤخراً يرجع ربما إلى رغبة صُنّاع القرار فى الإعلام أو رؤساء القنوات فى إنتاج هذه الأفلام لإعجابهم بها، وحرصهم على تشجيع هذا النوع، فضلاً عن وجود ضرورة سياسية لإنتاجها، فقد كانت «الجزيرة» تُمرر وجهات نظرها، وكذلك المرتبطة بجماعة الإخوان الإرهابية، ومن الضرورة الرد بنفس اللون «أن تروى روايتك قبل أن يرويها أحد»، لافتاً إلى أسباب انتشار الوحدات الوثائقية فى بعض القنوات فى الفترة الأخيرة بقوله: «غيرة مهنية.. فهناك حالة من التنافسية بينهم، فهى جزء لا يتجزأ من السوق».
وأوضح أن انتشار هذه الوحدات فى القنوات المصرية بمثابة «شرعية وجود»، وأن هناك ضرورة تجارية عند بعض القنوات أن تحافظ على هذه النوعية، وإن كانت على غير اقتناع بها فى بداية الأمر، لافتاً إلى أبرز التحديات التى قد تواجه صُنّاع الفن الوثائقى، والتى تكمن فى الوصول إلى المعلومات فى صورتها الخام، والتعامل مع الأرشيف، وذلك بسبب ثقافة القائمين على الوثائق فى الدولة بالحفاظ عليها وعدم إظهارها أمام أى وسيلة إعلامية، بينما التحدى الآخر يتعلق بالسوق الإنتاجية.
وأشار إلى المعايير التى يتبعها فى القناة، حيث يأتى على رأسها التدقيق العلمى فى المحتوى الذى يُقدمه: «نعمل بنظام الاستشارات العلمية، ونختار مستشاراً علمياً حسب موضوع الفيلم الوثائقى الذى يجرى العمل عليه، بهدف ضمان السلامة المعرفية».
وقالت هناء عبدالفتاح، المشرف على وحدة إنتاج الأفلام الوثائقية فى مجموعة «إعلام المصريين»، إنه كان هناك حالة من الاستسلام والاستسهال خلال السنوات الماضية، لذلك غابت هذه النوعية من الأفلام عن الشاشات المصرية، وسط تجاهل شديد للرد على أكاذيب قناة «الجزيرة» المتعلقة بالشأن المصرى.
وأشادت «هناء» لـ«الوطن» بتوفير مساحة للأفلام الوثائقية عبر مختلف القنوات مؤخراً: «اهتمام ليس مبالغاً فيه، بل يعد مساحة طبيعية»، حيث إن الإعلام المصرى تأخر كثيراً فى هذه الخطوة، مؤكدة أن المعيار الأساسى الذى يُعتمد عليه داخل «إعلام المصريين»، هو العمل لصالح الوطن.
نشأت الديهى: إنتاج الأفلام الوثائقية «واجب وطنى» ويأتى رد فعل دون مبادرة حقيقية.. ومكتباتها فى الإعلام المصرى فقيرة للغاية
وقال الإعلامى نشأت الديهى، رئيس «TeN»: ستُطلق وحدة للأفلام الوثائقية فى الربع الأول من العام الحالى، حيث يجرى حالياً الإعداد لإنتاج فيلم ضخم يقوم به الإعلامى عمرو عبدالحميد، مدير القناة، ومُقدم برنامج «رأى عام»، لفضح ما يُحاك ضد مصر من حروب خارجية، لا سيما من قبَل المنصات التى تنتج أفلاماً وثائقية من دول معادية.
وأوضح «الديهى» لـ«الوطن» أن عملية إنتاج هذه النوعية من الأفلام تتطلب جهداً كبيراً، بداية من البحث والحصول على معلومات ووثائق خاصة، مروراً بالمصادر، فضلاً عن التكاليف الباهظة لإنتاج فيلم واحد، واصفاً طرْق الإعلام المصرى لهذا الفن بالأمر الجيد للغاية: «أن تأتى متأخراً أفضل من أن لا تأتى أبداً».
وقال إن مكتبات الوثائقيات فى الإعلام المصرى فقيرة للغاية، ومن الضرورى الاستمرارية فى هذا المجال، مع توفير كوادر تنتج بشكل احترافى، وليس من العيب استقطاب مواهب من الخارج، لافتاً إلى غياب هذه النوعية من الأفلام على مدار السنوات الماضية: «أعتقد أن الشخصيات التى كانت تمارس الإعلام سلفاً كانت تفتقد التركيز على الأهداف الاستراتيجية للإعلام، وكان يُنظر للوثائقيات على أنها وسيلة للتسلية والترفيه».
وتابع: فجأة، انتبه الإعلام مؤخراً لأهمية الفن الوثائقى، ويُبدى اهتمامه بهذه الصناعة، حيث جاء ذلك بعد إدراك المخاطر التى تتعرض لها مصر من قبَل القنوات الإقليمية المعادية لمصر والتى تقف على نقطة متقدمة بمسافات عن الإعلام المصرى، إذ إن الأفلام التى تُنتَج بالداخل حالياً بمثابة «رد الفعل» ولا يوجد مبادرة بالفعل ذاته.
وأضاف «الديهى»: «أتصور أننا كنا نفتقد تقدير أهمية ما تقوم به القنوات المعادية لمصر على مدار السنوات الماضية، وفجأة وجدنا أنفسنا فى أمسّ الحاجة إلى إنتاج هذه النوعية من الأفلام»، مُعرباً عن تمنيه أن تكون هذه المرحلة بداية لإنشاء فرق وكوادر قادرة على تقديم نتائج متقدمة فى هذا المجال.
ورد على حجج بعض المسئولين فى الإعلام بأن الوثائقيات لا تلقى اهتماماً فى الإعلام المصرى: «إنتاج هذه الأفلام بمثابة واجب وطنى، لما لها من دور بالغ الأهمية».
وتقول المخرجة أميرة سالم، رئيس قناة «النيل للأخبار»، إن القناة كانت تشهد حالة من الخمول فى السنوات الأخيرة، لكنها باتت تشهد حالة من النشاط مؤخراً، فقد تم إنتاج فيلمين عُرض أحدهما تحت عنوان «زجل الحمام»، بينما سيُعرض فيلم آخر بعنوان «مفاتيح العودة»، ويتحدث عن حق الفلسطينيين فى العودة إلى أراضيهم، قائلة: «النيل للأخبار رائدة فى الفن الوثائقى».
وأضافت «أميرة» لـ«الوطن» أن الفيلم الوثائقى يحتاج إمكانيات ضخمة، لا سيما التكلفة المادية، فضلاً عن فترة التحضير التى تستغرق شهوراً، مؤكدة أن هدف القناة فى الوقت الحالى ليس الرد على أكاذيب «الجزيرة»، إذ إن فريق العمل يحرص على إنتاج أعمال للترويج للمعالم التى تتمتع بها مصر، وتنشيط السياحة: «مصر غنية بالمواد الوثائقية الضخمة».
وأشارت إلى احتمالية التعاون مع قناة «النيل الدولية» من خلال ترجمة بعض الأفلام، بهدف استقطاب أكبر قدر من الجمهور، مؤكدة أن هذه النوعية من الأفلام ستشهد تطوراً على القناة خلال الفترة المقبلة، من حيث الصوت والصورة، بهدف جذب المشاهد.
وقال المخرج عزالدين سعيد، مدير إدارة الإنتاج المتميز فى القنوات المتخصصة سابقاً، إن «ماسبيرو» به عدة وحدات لإنتاج الأفلام الوثائقية، منها إدارة الإنتاج المتميز، وقطاع الإنتاج، وصوت القاهرة، بجانب إنتاج القناة الأولى والثانية، لافتاً إلى أن عملية الإنتاج داخل هذه الإدارات متوقفة منذ نهاية 2010.
وأوضح «سعيد» لـ«الوطن» أن الأحداث السياسية التى طرأت على مصر فى 2011، والفترة التى أعقبتها، أثرت سلباً على عملية الإنتاج داخل «ماسبيرو»، لافتاً إلى أن آخر الأعمال الإنتاجية كان سلسلة وثائقيات تحمل اسم «وصف مصر» عُرضت قبل 9 أعوام تقريباً، ومنذ ذلك الحين توقف الإنتاج باستثناء فيلمين، تمت صناعتهما من خلال تجميع لقطات من أعمال سابقة.
وأشار إلى أبرز المعوقات التى تواجههم داخل إدارات الأفلام الوثائقية: «الأمر ليس متوقفاً على الأفكار، بل يمتد إلى غياب خطة العمل، فضلاً عن قلة الموارد المالية، وانخفاض جودة الصورة»، مناشداً الحكومة التدخل لإحياء «ماسبيرو» مجدداً.
عبدالرحمن أبوزهرة فى كواليس فيلم «جذور»