«مصر الفرعونية»: اكتشاف أدوات مصرية فى قلب القارة.. وتمثال لـ«أوزيريس» فى زائير
«الفراعنة» أسسوا لمبدأ الدولة فى العهد القديم
تطرقت «الموسوعة» فى أحد أجزائها إلى علاقات مصر قديماً بسائر أنحاء أفريقيا، وهو الفصل الذى أعده عبدالحميد زايد، بالاشتراك مع «ج. دافيس». وأكدت الموسوعة، فى هذا الجزء، أن الكشوف الأثرية لم تسفر عن أى دليل قاطع على وجود صلات بين مصر وأفريقيا إلى الجنوب من «مروى»، ولكن تم اكتشاف أدوات مصرية فى قلب «القارة»، مثل تمثال صغير لأوزيريس فى زائير، وتمثال آخر عليه نقش لخرطوشة تحتمس الثالث جنوب نهر «زمبيزى». وأكدت الموسوعة أن هناك تبايناً كبيراً فى التقويم الزمنى والمهارة الفنية بين حضارة مصر وحضارات البلاد المجاورة لها، موضحة أن «مصر الفرعونية» كانت من الوجهة الحضارية تشعر بأنها تختلف عن جيرانها، ومن المؤكد أنها «سبقتهم»، مشيرة إلى أن الدولة المصرية كانت تتمتع بنفوذ واسع فى منطقة الصحراء الأفريقية الكبرى خلال عصر الأسرات، وأن الليبيين الذين كانوا مجرد صيادين ورعاة أغنام، دفعهم الانتشار السريع للصحراء الذى ازداد فى عصر الأسرات إلى طرق أبواب «جنة وادى النيل».
ولفتت إلى أن الأسرى الليبيين فى ذلك الوقت كانوا جنوداً ولديهم سمعة طيبة، باعتبارهم سائقى «مركبات حربية»، وكانوا يُستخدمون إما فى العمليات الكبرى أو الأعمال المنزلية. وأشارت إلى أن الليبيين حصلوا على إذن من رمسيس الثالث فى القرن الثانى عشر قبل الميلاد للاستقرار فى الجزء الغربى من الدلتا، فى مقابل لعب دور أكبر فى الدفاع عن أرض مصر. وأوضحت الموسوعة أن الليبيين حكموا مصر فى عهد الأسرتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين لمدة قرنين من الزمن، وأثار ذلك ردود فعل قوية فى «مصر العليا»، التى بذلت محاولات لطردهم. وأشارت الموسوعة إلى أهمية «النوبة» فى ربط شمال وجنوب أفريقيا ببعضهما البعض، كما تناولت الثقافات المتعاقبة التى مرت على «القارة»، وكذلك مختلف المناطق فى القارة، وتاريخ حضاراتها الضاربة بجذورها فى القدم.
وتناول فصل فى «الموسوعة»، موقف انتشار الإسلام فى أفريقيا، موضحاً أن أول بلد فتحه العرب فى أفريقيا هو مصر، التى كانت آنذاك إقليماً بيزنطياً. وتابعت أن «أهلها الأقباط لم يقاوموا الفاتحين العرب، بل رحبوا بهم، ورأوا فى مجيئهم تحريراً للأقباط من النير البيزنطى، حيث كان المصريون يعانون آنذاك من الضرائب، وأشكال الاستغلال الأخرى، واضطهاد الكنيسة البيزنطية الأرثوذكسية الرسمية باعتبارهم من معتنقى مذهب (الطبيعة الواحدة)».
الليبيون حكموا مصر فى عهد الأسرتين الفرعونيتين «الثانية والعشرين والثالثة والعشرين» لمدة قرنين.. وغير المسلمين فى عهدَى «الفاطميين والأيوبيين» كانوا يتمتعون بحرية دينية
وأشارت إلى أن الصراع بين الكنيستين المسيحيتين فى مصر قد سهّل إلى حد ما اعتناق بعض المصريين للإسلام فى مرحلة مبكرة، حيث إن السواد الأعظم منهم كانوا عاجزين عن فهم تلك «المجادلات اللاهوتية التى لا نهاية لها»، وأنهم كانوا بدون شك يشعرون بالسأم والحيرة إزاء عبثيتها، كما توضح «الموسوعة»، مما يفسر الانتشار السريع للإسلام فى بداية الفتح العربى. وأوضحت أن الرعايا من غير المسلمين فى عهدَى «الفاطميين» و«الأيوبيين» كانوا يتمتعون بحرية دينية لم تعرفها العهود السابقة أو اللاحقة، وكان نتيجة هذا التسامح الذى جمع بين «المسلمين» و«المسيحيين» أن اختفت اللغة القبطية تدريجياً من الحياة اليومية، وحلت محلها العربية.
وتابعت: «وتعزز أيضاً انتشار الإسلام واللغة العربية فى مصر عن طريق التدفق المستمر للبدو العرب المقبلين من شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب، الذين استقروا فى مصر للعمل بالزراعة، واختلطوا مع أهلها الأقباط، فزاد بذلك عدد الناطقين بالعربية وارتفعت أعداد المسلمين».
وحسب الموسوعة، فإن «ثمة عاملاً آخر من العوامل التى دفعت الناس إلى اعتناق الإسلام، وهو تفاقم الفساد والانحلال لدى رجال الدين الأقباط ابتداء من القرن الحادى عشر الميلادى، مما أدى بهم إلى إهمال الاحتياجات الروحية والأخلاقية للناس».
وأردفت: «فى القرن الثالث عشر الميلادى تحولت أسقفيات بأكملها إلى الإسلام لافتقارها إلى القساوسة، وذلك لأن الصراع بين المرشحين المتنافسين على منصب بطريرك الإسكندرية استغرق وقتاً طويلاً، لم يعين خلاله أى قساوسة جدد».