«اتسع الخرق على الراقع» مثل عربى يُضرب فى الأمر الذى لا يستطاع تداركه لتفاقمه، وفيه يقول اللغوى أبوهلال الحسن بن عبدالله العسكرى: معناه: قد زاد الفسادُ حتى فات التلافى، وهو من قول ابن حُمام الأزدى:
كالثوب إن أنهج فيه البِلَى... أعيا على ذى الحيلة الصانع
كنا نداريها وقد مُزِّقت... واتسع الخرقُ على الراقع
والمتابع لأحوال جماعة الإخوان فى الشهور الأخيرة يدرك وكأن هذا المثل قد وُضع خصيصاً لهم، فما تعيشه الجماعة، ومن لفّ لفّها ودار فى فلكها، من خلافات تجاوزت حدود الخلافات التنظيمية والحركية ووصلت حد الطعن فى الذمم الأخلاقية والمالية، يكشف فى جلاء حجم النفق الواسع الذى دخلته الجماعة، ولا يبدو أنها ستخرج منه قريباً، رغم كل محاولات الإنقاذ الإعلامية التى تبذلها المنصات التابعة لها والداعمة لأفكارها ومخططاتها والموجهة لشئونها ومؤامراتها.
لكن، وعلى الرغم من تلك الحالة التى لم تعد خافية على أحد، فقد استغلت الجماعة الدعوة لإجراء تعديلات دستورية فى مصر، لمحاولات الاصطفاف الوهمى ومواجهة تلك التعديلات الدستورية المقررة، وبدأت فى شن حملاتها على مختلف الصعد لتشويه تلك التعديلات والدعوة إليها، وهو أمر معلوم ومجرب عدة مرات داخل الجماعة التى كلما دخلت فى دوامة الخلافات الداخلية هربت إلى الأمام واشتبكت فى معارك لصرف الأنظار عما يعيشه الداخل الإخوانى من مهازل وفضائح متعددة المستويات. يحدث هذا وينسى قادة الإخوان أنهم وممثلهم فى قصر الرئاسة هم من أصدروا إعلاناً دستورياً دكتاتورياً بامتياز، يحدث هذا وهم من ساندوا ودعموا الإجراءات الاستبدادية التى يتخذها خليفتهم الكرتونى طيب أردوغان، والتى جعلت من تركيا أكبر سجن للصحفيين والمعارضين من كل لون، من قضاة وسياسيين وبرلمانيين ورجال أمن وعسكريين ومدرسين وأطباء ونساء وأطفال.
ينسى الإخوان، أو بالأحرى يتلونون، للتمويه على فضائحهم هم ومن يقفون خلفه ويأتمرون بأوامره، ويهربون إلى ساحة التعديلات الدستورية فى مصر.
وهؤلاء دون شك، بممارساتهم الاستبدادية وأعمالهم الإرهابية، خارج الجماعة الوطنية المدعوة -دون غيرها- لمناقشة تلك التعديلات.
وحالهم تماماً كحال تلك الجماعات الداعية لإسقاط الدولة بمؤسساتها العسكرية والأمنية والقضائية والإعلامية، فأولئك وهؤلاء خارج الصف الوطنى دون شك.
فى الأسبوع الماضى ناقش أعضاء مجلس النواب مبدأ التعديلات الدستورية، وصوتت الأغلبية لصالحها، وتحدّث النواب المعارضون بكل صراحة، ونقلت وسائل الإعلام الوطنية مداخلاتهم، ثم أحيلت التعديلات للجنة الشئون الدستورية والتشريعية، ليُفتح الباب أمام الجميع للإدلاء برأيه، وأعلن رئيس البرلمان أن اللجنة ستعقد اجتماعات مع ذوى الشأن لمناقشة التعديلات، وهو الإجراء الصحيح، فالتعديلات ليست ملك من أيدوها، بل هى أيضاً لمن عارضوها، وستكون الكلمة الأخيرة للشعب الذى يُدعى للاستفتاء عليها. وهنا لا بد أن تتسع صدور الجميع للجميع، وتُفتح أبواب النقاش الموضوعى دون تجريح من فريق لفريق، ودون الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة.
إن مناقشة التعديلات الدستورية لا بد أن تجرى على أرضية وطنية، يعرض خلالها كل فريق ما يراه، ويكون على استعداد لمناقشة الرأى الآخر وتفهُّم دوافعه، طالما كانت منطلقاتها وطنية، ليتأسس على ضوء ذلك حركة وطنية حقيقية يتنافس فيها الجميع لمصلحة الوطن، ويبذل فيها الجميع الجهد المخلص لمواصلة السير على طريق المواجهة الشاملة ضد أعداء الوطن والحياة وبناء نموذج تنموى وطنى بامتياز.
بالتأكيد، إن حال الأحزاب المصرية ليس كما يتمناه أى مخلص غيور على وطنه، وفى حال إقرار التعديلات الدستورية وعرضها للاستفتاء ستكون الفرصة أفضل لتعيد الأحزاب رصّ صفوفها لخوض معارك انتخابية حقيقية تشد عضدها وتُخرج الحياة السياسية فى مصر من حالة التيبس إلى فضاء الحيوية الواسع، ليعمل الجميع تحت مظلة الشرعية الدستورية والقانونية، ويترسخ مفهوم المواطنة الشامل وفق عقد اجتماعى يحفظ للجميع -حكاماً ومحكومين- حقوقاً وواجبات لا تقبل التأويل، لتكون الكلمة العليا للشعب القائد والمعلم.
حفظ الله مصر وشعبها ووقاها شر ما يحاك لها فى الداخل والخارج.