(1)
الأخبار المقبلة من محافظة الوادى الجديد تؤكد اختلاف هذه المحافظة عن سائر بقاع القطر المصرى، وتشير إلى اجتهاد المحافظ والعاملين معه فى محاولة النهوض بهذا الإقليم وتحويله إلى امتداد عمراني تنموى سياحى إنتاجى صالح لاستيعاب أكبر قدر ممكن من المصريين الذين يتزاحمون بضراوة شديدة فى أقل من عُشر مساحة البلاد، ولا يعرف أحدهم شيئاً عن التسعة أعشار الأخرى التى فشلت كل الحكومات فى محاولة تعميرها وإضافتها -فعلياً- لخريطة المناطق السكنية والإنتاجية والخدمية التى يمكنها استيعاب أى عدد من المصريين والوافدين والسياح وغيرهم.
الخبر السلبى الوحيد المقبل من المحافظة المذكورة فى العهد الحالى هو ما نشرته الصحف حول مبادرة السيد مدير الإدارة التعليمية بفرض زى موحد على السادة المدرسين والسادة موظفى التربية والتعليم فى المحافظة. ونشرت الصحف صورة هذه الأزياء الموحدة التى يقترحها صاحب المبادرة، وتشمل بالطو يشبه ملابس السادة المخبرين بالنسبة للموظف، ويشبه ملابس المفتش كولومبو بالنسبة للمدرس، ولم أتمكن من تمييز ملابس السيدات فى الصورة المنشورة، وربما تكون على نفس شاكلة الملابس الرجالى، مع إضافة الحجاب أو النقاب على رؤوس ووجوه المدرسات والموظفات، مثلما يحدث فى ملابس السيدات اللائى يشغلن وظائف ضباط -أو ضابطات- الشرطة النسائية.
(2)
الاعتراض الأول -والبديهى- على مشروع ملابس المدرسين فى الوادى الجديد يتعلق بالطبيعة السكانية فى هذه المنطقة، حيث يسهل تمييز كل فئات المقيمين والعاملين، نظراً لأعدادهم القليلة بالمقارنة بالآخرين فى محافظات الكثافة العالية مثل القاهرة والإسكندرية وغيرهما. والناس فى الأقاليم الهادئة يعرفون بعضهم بعضاً دون الحاجة لملابس موحدة أو ملابس فئوية أو أى شىء من هذا النوع، فلماذا نفرض زياً للمدرسين والموظفين؟ وما جدوى هذا الإجراء الشكلى؟ وإن كان السيد مدير الإدارة يرى أن البالطو الحكومى سيضفى كرامة ومهابة على المدرس الذى يرتديه فعلى سيادته أن يفكر فى الأحوال المادية والاجتماعية للمدرس الذى يتقاضى راتباً حكومياً ولا يسمح تخصصه أو ظروفه باستكمال هذا الراتب من عائد الدروس الخصوصية. ثم إن مشروع الزى الموحد لم يتطرق إلى ملابس المدرس أثناء الدروس أو المجموعات المنزلية، فهل يفترض ذهاب السادة المدرسين والمدرسات إلى منازل السادة التلاميذ بالزى الرسمى الجديد، أم أن هناك أزياء موحدة أخرى يرتديها المدرسون فى الزيارات المنزلية ذات الصلة بوظائفهم؟
(3)
الاعتراض الثانى يتمثل فى استحالة توحيد ملابس المدرسين بالذات، فهذه الفئة من الناس تتوحد غالباً مع تخصصاتها فى الملامح والملابس وطريقة الكلام (إلخ). وحين كنا تلاميذ فى المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية كان أغلبنا يتعرفون على تخصص أى مدرس جديد بمجرد رؤيته للمرة الأولى فى طابور الصباح. السادة مدرسو اللغة العربية -مثلاً- يتمتع معظمهم بملامح إخواننا الريفيين، مع مسحة من الوقار الحقيقى أو المصطنع، ويرتدون ملابس بعيدة عن الأناقة، وغالباً ما تجد على وجه كل منهم نظارة طبية ذات عدسات غليظة، وقلما ينجو أحدهم من ظاهرة الكرش والخصام التام مع أى قدر من الرشاقة التى يراها بعضهم نوعاً من الصبيانية التى لا تجوز مع وقار اللغة العربية والتربية الدينية! على العكس من ذلك يتأثر مدرسو اللغات الأجنبية ببعض مواصفات أهل هذه اللغات، فتجدهم على شىء من الوسامة والأناقة واللياقة البدنية، وكذلك الحال مع مدرسى الرياضيات وبعض مدرسى العلوم، بينما يتشابه مدرسو المواد الاجتماعية مع مدرسى اللغة العربية، وبالنسبة للسيدات يمكنك التعرف بسهولة شديدة على مدرسات التدبير المنزلى اللائى يشبهن فى أغلب الأحوال فئة ربات البيوت!
معنى هذا الكلام أن الزى الموحد لن يضيف جديداً للسادة المدرسين، لأن التلاميذ وكل الناس يتعرفون بسهولة، ليس فقط على المدرس، ولكن أيضاً على تخصصه.
(4)
ثالث الاعتراضات يتعلق بالدرجات الوظيفية للسادة المدرسين، فهناك عشرات الآلاف من المدرسين «الظهورات» الذين يعملون بعقود مؤقتة لا يتجاوز أحدها مدة الفصل الدراسى الواحد (ثلاثة شهور)، وهذه المدة لا تكفى أصلاً للتعرف على مقاس كل منهم لتسليمه الزى الموحد الخاص به، ثم إن هذا الزى سيكون مصيره البيع فى سوق الجمعة عند انتهاء مدة التعاقد مع المدرس المؤقت، وبالتالى سوف يشترى الجمهور ملابس المدرسين ويتحول الزى الموحد للمدرسين إلى زى موحد لعموم الفقراء والغلابة فى القطر المصرى.
المدرسون الدائمون يتفرعون أيضاً إلى فئات كثيرة، عندك مثلاً مدرس معاون، ومساعد مدرس، ومدرس فصل، ومدرس مادة، ومدرس أول، ومدرس خبير، ومدرس كبير، وموجه مادة، وموجه أول، وموجه عمومى، إلى جانب ألقاب ومسميات أخرى عديدة يقرأها الناس فى إعلانات الدروس الخصوصية على جدران المبانى فى كل المحافظات وبالقرب من مراكز الدروس (السناتر) وأمام هذه السناتر وفى داخلها. فكيف يرتدى المدرسون زياً موحداً ومراكزهم الوظيفية شتى؟
هل يشمل مشروع الزى الموحد وضع علامات تشير إلى رتبة أو مرتبة المدرس مثل ملابس الطيارين أو البحارة أو موظفى وعمال السكة الحديد؟ هل تضع لهم الوزارة علامات مميزة على الملابس مثل العاملين فى الاتصالات اللاسلكية أو شركات الأمن الخاص؟
(5)
السيد محافظ الوادى الجديد قال فى مداخلة تليفزيونية إنه صاحب فكرة الملابس الموحدة لأن المدارس بها فئات كثيرة بعضهم إداريون وبعضهم مدرسون وبعضهم عمال وبعضهم تلاميذ وبعضهم أولياء أمور وبعضهم باعة جائلون أو دائمون (إلخ.. إلخ)، ويرى سيادته أن اختلاط الحابل بالنابل على هذا النحو يؤدى إلى نوع من الفوضى التى قد تسىء إلى مشروع تطوير التعليم، ومن هنا رأى سيادته تخصيص زى معين لكل فئة من الفئات التى تعمل فى المدارس.