حمد الباسل.. قائد «هبَّة الفيوم» ورفيق زعيم الثورة فى المنفى
حمد الباسل مع سعد زغلول
بينما القاهرة تشتعل فى مظاهرات مؤيدة للزعيم سعد باشا زغلول، وآلاف يهرعون للشوارع، هاتفين «يحيا سعد»، ويخطب شيوخ الأزهر فى الكنيسة، ويقف القساوسة على منبر الأزهر يدعون الناس للتظاهر، وقف حمد باشا الباسل فى وجه الإنجليز بمحافظة الفيوم، قائداً لثورة الشعب هناك، ليعتقله الاحتلال وينفيه مع سعد زغلول ويصير من رموز ثورة 1919.
«أعجبت بحمد الباسل، هو عربى شجع العلم كثيراً بتنشئة معاهده» كلماتٌ كرم بها الزعيم الراحل سعد زغلول فى مذكراته عن «باشا الفيوم»، فالرجل الذى ولد عام 1871، كان صديقاً لزعيم الأمة، والتقيا للمرة الأولى عام 1908، فى زيارته للفيوم، وبدأت منذ ذلك الحين مسيرة طويلة بينهما من الكفاح الوطنى المشترك.
والد حمد باشا الباسل، كان أحد أعيان الفيوم، وعمدة إحدى القرى بها، وخلفه «حمد» فى العمدية بأمر من الخديو توفيق، الذى استثناه، وعينه تقديراً لمجهودات والده وخدماته للحكومة، وعُين بعدها عام 1910 بمجلس مديرية الفيوم، ليصبح أبرز رموز المحافظة.
مجدى الباسل عن بطولات جده: العيد القومى للمحافظة فى 15 مارس يعود إلى تاريخ اعتقاله ونفيه.. والعائلة تجتمع أسبوعياً فى «الدوار» لتتوارث حكاياته
منزل «الباسل» فى قريته تحول إلى مركز للقاءات زعماء الحركة الوطنية وعلى رأسهم الزعيم سعد زغلول، بعد تشكيل الوفد المصرى عام 1918، ليتم القبض عليهم ونفيهم جميعاً، وتنطلق الشرارة الأولى لثورة 19، التى أصبح «الباشا» من قادتها ورموزها.
لم ينته دور حمد باشا الباسل بانتهاء ثورة 19، وأصبح عضواً بارزاً فى «الوفد» بعد إنشائه، ووصل لمنصب «وكيل الحزب»، وكان وكيلاً للبرلمان، ليصبح لقبه «الباشا صاحب الوكالتين»، وينشق بعد ذلك مشكلاً «الحزب السعدى»، قبل أن يعتزل الحياة السياسية قبل وفاته.
موقع «قصر الباسل» الذى كان مقراً للثورة فى مدينة «إطسا»، أصبح اليوم قريةً تحمل نفس الاسم، وما زال القصر القديم قائماً فى مكانه، تجتمع فيه العائلة التى تتوزع فروعها فى أماكن ومحافظات عديدة، يستذكرون بطولات الجد الذى أصبح دوره منسياً فى تاريخ الثورة، رغم أهميته. «كل يوم جمعة بنتجمع فى بيت الباشا أو الدوار اللى لسه موجود فى قرية قصر الباسل وبنسترجع أمجاد جدودنا»، كلمات بدأ بها مجدى حمد الباسل، حفيد «الباشا»، حديثه عن جده «حمد الباسل» وعائلته الحالية، فالرجل صاحب الـ54 عاماً يعيش فى محافظة بنى سويف، إلا أنه لا يفوت اجتماع الجمعة مع العائلة.
حمد باشا الباسل كان وطنياً، يحب البلد ويسعى لتحريره من الاستعمار، وعلى علاقة وطيدة برموز المقاومة، وعلى رأسهم سعد باشا زغلول، حسب حديث الحفيد، وبمجرد قيام الثورة بعد القبض على زعيمها، هب الباسل لنصرة الثورة فى مواجهة الإنجليز، جامعاً أبناء «إطسا»، الذين كانوا يكنون له حباً واحتراماً.
«أهالى الفيوم ساندوا الثورة بالباع والدراع عشان خاطر الباسل» كلماتٌ عبّر بها الرجل الخمسينى عن دور جده فى الثورة، حيث كان المحرك الأول والرئيسى لـ«هبّة الفيوم» ثم أُلقى القبض عليه يوم 15 مارس 1919 لينفى إلى جزيرة «مالطة» رفقة الزعيم سعد زغلول وبقية الوفد، وهو التاريخ الذى تحول إلى عيدٍ قوميٍ لمحافظة الفيوم.
قصة «الباسل» مع المقاومة بدأت قبل الثورة، حيث كان داعماً على الدوام للثوار ومقاومى الاحتلال الإنجليزى، فالرجل الذى ينتمى لقبيلة «الرماح» ذات الأصول الممتدة لشبه الجزيرة العربية، كان بيته مفتوحاً لحماية الثوار من البوليس السياسى وبطش الإنجليز، «كان ساعات كتير بيسلم نفسه للبوليس عشان ميتقبضش على واحد من الشباب الوطنى عشان عارف إنه بشعبيته مش هيقدروا يعملوا له حاجة».
مسيرة «الباسل» مع «الوفد» لم تتوقف بعد سعد زغلول، حيث كان على علاقة دائمة وجيدة بمصطفى النحاس زعيم «الوفد» «النحاس باشا كان دايماً بيزوره ويلجأ له فى انتخابات الحزب ويعتمد عليه وعلى عيلته وشعبيته وبيحبه جداً» وهو الأمر الذى استمر حتى وفاة حمد الباسل عام 1940. عائلة «الباسل» تتوارث حكاياته جيلاً بعد جيل، حسب الحفيد الذى يعمل محاسباً، فالرجل كان محباً للعائلة، وهى الصفة التى ورثها عنه الآباء والأحفاد على مدار السنين.
ورغم بطولة حمد باشا الباسل فى ثورة 1919، وأن العيد القومى لمحافظة الفيوم يعود إلى يوم اعتقاله على يد الإنجليز، إلا أنه منسى فى الاحتفال بالثورة: «المحافظين بيروحوا يزوروا النصب التذكارى فى المحافظة ومحدش بيبص لقرية قصر الباسل».