كنت قد قررت عدم الكتابة عن حوادث القطارات، لأننى وغيرى كتبنا كثيراً دون فائدة، ولكن بعد تعيين المهندس كامل الوزير مسئولية وزارة النقل، ما يؤكد عزم القيادة السياسية على حل المشكلة نهائياً، قررت الكتابة لمساعدة الرجل الذى نعلم أنه لا يملك عصا سحرية لإصلاح مرفق متهالك من عشرات السنين، ومن واقع تجربة شاركت فيها حينما كنت المستشار الإعلامى والمتحدث السابق لوزارة النقل سوف نعرض مشاكل السكة الحديد وحلولها:
أولاً، المشاكل وتتمثل فى الديون والخسائر والقروض وفوائدها تصل إلى 100 مليار جنيه، ونحو 70 ألف موظف وإهلاكات سنوية نحو 650 مليون جنيه بسبب العمر الافتراضى، والسرقات نحو 250 مليوناً سنوياً، وحالة السكة (الجسر، البازلت، الفلنكات، القضبان) لا تصلح وتحتاج إلى صيانة شاملة أو تغيير كامل، بالإضافة إلى التعدى على أصولها كما أنها تنقل 2% فقط من الركاب وخدماتها سيئة وإيراداتها ضائعة، والإشارات تحتاج إلى تغيير وربطها بغرفة تحكم مركزى، وأيضاً تدهور حالة الكبارى والأنفاق المملوكة للسكة الحديد، وأزمة المزلقانات والمعابر غير الشرعية، تلك هى المشكلات الأساسية.
ثانياً، الحلول، وهى: عاجلة، وعلى المدى الطويل.
أما العاجلة فتتمثل فى مراجعة خطة التشغيل (1200 رحلة يومياً) وإلغاء بعضها لعدم جدواه الاقتصادية والاجتماعية، وهذا يخفض نفقات التشغيل والصيانة والإهلاكات وتوفير جرارات وعربات وعمالة فنية، والتركيز على خطى القاهرة - الإسكندرية، والقاهرة - أسوان وتدعيمهما بالجرارات والعربات والعمالة من الخطوط الملغاة، وتوجيه الإنفاق فى تطوير هذين الخطين من كهربة الإشارات وميكنة المزلقانات وتغيير وصيانة القضبان حتى تتحمل سرعة كبيرة، لأنهما الأكثر استخداماً وتعرضاً للمشاكل، وأيضاً ربحية 80% من الإيرادات، مع تدريب وتأهيل العنصر البشرى، خاصة طوائف التشغيل، وتشكيل مجلس لإدارة المرفق برئاسة وزير النقل يضم خبراء مع قيادات الصف الثانى للسكة الحديد. هذا التطوير يحتاج نحو 3 سنوات بتكلفة 20 ملياراً، ويساهم فى وقف خسائر السكة وحوادثها، ومع تنشيط نقل البضائع وربطها بالموانئ سيحقق 4 مليارات جنيه أرباحاً يُستفاد منها فى تطوير الخطوط الأخرى تدريجياً.
تلك هى الحلول العاجلة، أما طويلة المدى فتتمثل فى إنشاء سكة حديد جديدة خارج الكتلة السكنية، وهو ما تسعى إليه الدولة حالياً، ونبدأ بخطى الإسكندرية والصعيد والدخول فى عالم القطار فائق السرعة (500 ك/الساعة) وأن يُطرح ذلك بنظام الاستثمار أو الشراكة مع القطاع الخاص، بحيث تمتلك الدولة البنية الأساسية فقط، أما الوحدات المتحركة والتشغيل فيتولاه القطاع الخاص، هذه الرؤية لا بد منها حتى نترك للأجيال المقبلة ثروة حقيقية، لأن إنشاء مرفق فى الصحراء سوف يخلق مجتمعاً عمرانياً تنموياً جديداً، وبالتوازى مع ذلك يجب إعادة تشغيل مصانع الإنتاج الحربى لإنتاج القطارات ووقف الاعتماد على القروض والاستيراد وبناء صناعة قوية تسهم فى حل مشاكل البطالة وتحسن مستوى الخدمة وتنقذ أرواح الأبرياء من نزيف القضبان.
هناك رؤية للنهوض بكل قطاعات النقل وضعت فى عهد د. سعد الجيوشى، وزير النقل الأسبق، بمشاركة كبار الخبراء مع إحدى شركات بنك الاستثمار القومى، تتضمن أيضاً مصادر التمويل وتوقيتات ومراحل التنفيذ، وفيها تفاصيل أخرى كثيرة، وهى موجودة فى الوزارة نتمنى من الوزير كامل الاستفادة منها، لأنها خلاصة فكر نخبة من كبار الخبراء المصريين المتطوعين وأصبحت ملكاً لمصر، والأسبوع المقبل نستكمل الحديث عن سلطة جهاز سلامة النقل الحل الوحيد للانضباط وتطبيق منظومة الأمن والسلامة.