فرصة مهمة جداً أن نتذكر أو نذكر أهم وأقوى وأصدق عاطفة فى الوجود (الأمومة)، التى هى غريزة وطبيعة لدى جميع المخلوقات، وسنة الله فى خلقه، التى كانت منذ الأزل وستكون دوماً.
إن حواء تتألم لإخراج طفل لهذا العالم، ثم يجافيها النوم ويضعف جسدها وتتراجع صحتها وتنفد طاقتها خلال سنوات الأمومة المختلفة، تسهر لينام الجميع، تتعب ليرتاحوا، تقلق ليطمئنوا، تفكر وتخطط لمستقبل فلذات الأكباد، تصارع الدنيا ومشكلاتها الكثيرة، منها المعنوى ومنها المادى أو كلاهما معاً.
الأم، سواء كانت سيدة بسيطة أو سيدة مجتمع، هى أم أولاً وأخيراً، الأمر على قدر إجهاده فإنه متعة كبيرة ونعيم رائع، الأمومة تعطينا بقدر ما تأخذ منا، فتلك الأيادى الصغيرة الناعمة وهذه الأجساد الصغيرة الضعيفة وتلك النظرات البريئة والأحضان الصادقة نعيم وجنة الله على الأرض، إحساس الأمومة رائع بقدر ما هو مسئولية تُذهب النوم من العين وتقلق وتتعب القلب وتهلك العقل.
الأمومة رسالة لمن يعى وواجب لمن يفهم ويقدر ومسئولية ثقيلة جداً. أنا هنا أتحدث عن الأمومة النموذجية التى تفهم معنى تنشئة وتربية طفل وتكوين إنسان سوى طيب مفيد لنفسه ومجتمعه وعالمه.
الأم الصالحة تعطى المحبة والأمان والنصح والوقت والصحبة الطيبة، الأم سند وحائط سد منيع من ضربات الدنيا وقهرها. الأم تعلم التسامح والخلق الطيب، وتترك من خلال أبنائها أثراً طيباً بين الناس.
الأم رحمة ومنحة إلهية عظيمة لهذا الكوكب.
لكن، هل كل من تنجب يُطلق عليها «أم»؟!
للأسف بعضهن نماذج سلبية تضاد هذه الفكرة المقدسة عن الأم والأمومة. وبعض من أنجبن لم يَكُنّ يوماً أمهات حقيقيات.
وعلى النقيض هناك من لم تنجب، لكنها أم بمعنى الكلمة، تملك عطفاً وحناناً وعطاءً، الأمومة فعل شامل يتسع لمفردات عدة، لأن الأم الحقيقية هى التى تهذب الأمومة روحَها، فتشعر بتلك الرحمة والعاطفة تجاه أطفال العالم أجمع، بل تجاه الكون بأسره. يمتد ذاك الشعور الطيب الحنون ليشمل الحيوانات والطيور والنباتات، الأمومة هى الرحمة والعطف والمشاعر الرقيقة والقلب المرهف واليد الحانية، ومن لم ترزق بالأطفال تستطيع ممارسة هذه الشعيرة المقدسة على كل من حولها فى هذا العالم.
وفى خضم هذا اليوم العظيم لا يمكن أن ننسى أن هناك آباء فاقت أدوارهم أدوار أعظم الأمهات وتغلبوا عليهن، عطفاً وحناناً وعطاءً، هناك آباء كانوا أكثر أمومة من زوجاتهم، وهنا لهم كل التحية والاحترام والعرفان فى هذا العيد السعيد.
وتحضرنى كلمة أخيرة أغلق بها مقالى هذا أوجهها لمن يطالبون بإلغاء احتفالات عيد الأم لأنها تؤلم من لا أم له، أرى أن هذه الجملة بها الكثير من الحقد وعدم السلام النفسى، ليحتفل من يحتفل ولنحتفل جميعاً، من فقد أمه فليوجه لها دعوات رحمة ورسائل حب فى عالمها الآخر، لِيَزُرْ كبار سن لا عائل لهم ويقدم لهم مساعدة وعوناً، ومن لم ترزق بأطفال فلتساعد يتيماً أو تمسح على رأسه وتحتضنه..
أحبوا الفرح والخير للجميع وتمنوه لأنفسكم لأن الخير والصفاء هو المعنى الحقيقى للأمومة والبنوة.
وعيد أم سعيد علينا جميعاً.