"مكاسب واشنطن" تهدد مبادئ التجارة الحرة حول العالم
الصين الخاسر الأكبر من الحرب التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية
عبرت مؤشرات الاقتصاد الكلى فى الصين عن التأثير السلبى الكبير الذى لحق بالعملاق الآسيوى جراء الحرب التجارية العظمى مع الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى صعيد معدلات النمو شهد الاقتصاد الصينى أبطأ معدل له منذ 1990، حيث نما الاقتصاد بـ6.4% خلال الثلاثة أشهر الأخيرة خلال العام الماضى مقارنة بـ6.5% خلال نفس الفترة من 2017 ليُعد بذلك المعدل الأبطأ منذ الأزمة المالية العالمية، كما شهدت الصادرات الصينية أكبر تراجع منذ ثلاث سنوات، حيث هبطت بنسبة 20.7% خلال 2018، فيما هبطت الواردات بـ5.2%، وهو ما أدى إلى هبوط حاد فى أسواق البورصة الآسيوية، وهو ما دفع المحللين بتوصيف الوضع الحالى أن تأثير الحرب التجارية بدأ يتغذى أخيراً على بيانات الاقتصاد الكلى فى الصين.
وفى المقابل شهد معدل النمو الاقتصادى الأمريكى تعافياً بنحو 0.6% فى 2018، ليسجل 2.9% فى نهاية العام، مع بلوغ هذا المعدل أعلى قيمة له فى الربع الرابع حيث سجل 4.6%، بالإضافة إلى تراجع عجز التجارة الأمريكية مع الصين بحدود 10% تقريباً.
وعلى الرغم من ذلك، تعانى أسواق المال الأمريكية من ضعف كبير خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يُمثل الرهان الأخير للصين بشأن تراجع الولايات المتحدة عن استكمال الحرب التجارية لتجنب الوقوع فى أزمة اقتصادية طاحنة نتيجة تهاوى أسواق المال، وهو ما دفع القطبين لتحديد موعد فى 28 و29 مارس الحالى لاستئناف المشاورات الاقتصادية والتجارية للجولة الثامنة للوصول إلى اتفاق لإنهاء الحرب التجارية، ولكن فى حين فشل المداولات سيزداد الوضع سوءاً ويتوجه الطرفان لفرض مزيد من القيود الإضافية على المزيد من السلع.
الولايات المتحدة والصين تستأنفان مداولات إنهاء الحرب التجارية الخميس المقبل.. وعبلة عبداللطيف: الدول النامية الخاسر الأكبر من المنظومة الحالية
وتعول القيادة الصينية على الفترة المؤقتة التى يتولى فيها ترامب الأمور فى أمريكا، خاصة فى ظل النتائج التى تظهرها استطلاعات الرأى باحتمالية خسارة «ترامب» أمام المنافسين الديمقراطيين فى انتخابات 2020، وبالتالى انتهاء السياسات التطرفية التى تتبعها الولايات المتحدة على الصعيد الاقتصادى.
وبناء على ما يدور على الساحة العالمية على الصعيد التجارى والانتهاكات التى تقوم بها كبريات الدول، لتضرب عرض الحائط بالاتفاقيات الدولية بشأن حرية التجارة، يأتى السؤال المحورى: هل تتوجه معظم الدول لتطبيق وتبنى السياسات الحمائية وفرض القيود على التجارة لحماية اقتصاداتها لتحقق مكاسب على غرار التى حققتها الولايات المتحدة فى سياستها التجارية الجديدة مع الصين؟
من جانبها ترى عبلة عبداللطيف، رئيس المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أن الحرب التجارية بين العملاقين تمثل ضربة قاتلة لمفهوم حرية التجارة الذى تقوم منظمة التجارة بترسيخه منذ 1995، الذى تلتزم به الدول النامية، موضحة أن حرية التجارة ساهمت بشكل كبير فى انفتاح الأسواق الكبيرة للدول النامية أمام منتجات الدول الكبرى، أى أنها الفائز الأكبر، وهو ما يساعد على التزام الدول المتقدمة بالاتفاقيات نتيجة تحقيق الأرباح من الدول النامية.
وأشارت إلى أن الدول النامية ومن بينها مصر لم تتمكن من تحقيق الاستفادة المثلى من اتفاقيات التجارة الحرة، وذلك فى ظل قيام بعض الدول الكبرى بمحاولات لفرض رسوم حمائية على وارداتها، مشددة على ضرورة توحد الدول النامية فى قوة تفاوضية واحدة للتعبير عن مطالبهم وحقهم فى تطبيق مبادئ حرية التجارة وتفعيل البنود المنصوص عليها لدى منظمة التجارة العالمية.
فيما شدد أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، على ضرورة توجه الدول النامية وعلى رأسها مصر للتمسك بمفهوم حرية التجارة، واستغلال حالة الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين فى جذب المزيد من الاستثمارات الجديدة وبحث آليات مضاعفة مؤشرات التصدير لتلك الأسواق الضخمة.
جودة عبدالخالق: منظمة التجارة العالمية فقدت السيطرة على القوى الاقتصادية الكبرى.. و"الوكيل": علينا أن نتمسك بمبادئ حرية التبادل
وطالب «الوكيل» بتوسيع العمل باتفاقية «الكويز» وضم مناطق جديدة لها، خاصة فى حالة التقارب التى تشهدها العلاقات المصرية الأمريكية والاستفادة منها، فى ظل تصريحات سابقة للرئيس الأمريكى بتوجهه لعمل اتفاقيات تجارية ثنائية لا تخل بالنظام التجارى العالمى.
وقال جودة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد وزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق، إن الولايات المتحدة الأمريكية تعد أكثر الدول الخارقة لمفاهيم وبنود اتفاقية التجارة الحرة منذ اتفاقية الجات، مشيراً إلى أن كل الاختبارات والتجارب السابقة أثبتت عدم قدرة منظمة التجارة العالمية على إلزام القوى الاقتصادية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة تحرير التجارة والوفاء بالتزاماتهم تجاه الدول النامية.
وتابع أن الأعوام الماضية شهدت فشل محاولات الدول النامية فى تحقيق الاستفادة اللازمة من اتفاقية التجارة الحرة وربط التجارة الدولية بالتنمية، والتى كان آخرها فى مؤتمر الدوحة بقطر عام 2001، منوهاً بأن الدول الكبرى استطاعت بمفردها استغلال الاتفاقية فى الدخول لمختلف الأسواق النامية والتى تتسم بارتفاع معدلات الاستهلاك بها، فى حين أن الدول النامية لا تمتلك الهيكل الصناعى والإنتاجى الذى يؤهلها للمنافسة حتى داخل أسواقها المحلية.
وأضاف أنه لا يمكن الحديث عن مفهوم التجارة الحرة فى ظل استمرار العوار الحالى الذى تمثل الولايات المتحدة الركيزة الرئيسية له، مشيراً إلى أن التداعيات السلبية التى ستنتج عن الحرب التجارية الحالية ستطول كافة الأطراف خاصة الدول النامية التى ستفقد القدرة بشكل أكبر على النفاذ والدخول لأسواق كبيرة مثل أمريكا أو الصين وكذلك الاتحاد الأوروبى.