عيادة الأمراض العصبية فى «قصر العينى»: زحام ونقص أدوية ويوم واحد للكشف
زحام مرضى الصرع أمام عيادة الأمراض العصبية بقصر العينى
أمام بوابة حديدية يعلوها لافتة رخامية كُتب عليها بخط واضح «عيادة الأمراض العصبية» بمستشفى قصر العينى، وقف العشرات من مرضى «الصرع» وعلى وجوههم ملامح التعب والإعياء، فيما بدت على آخرين علامات الغضب من طول الانتظار، وسط مشادات وضجيج لا ينقطع بين المرضى وموظف الأمن الذى ينظم دخولهم للعيادة، يتسارعون فى غضب مكتوم لأولوية الدخول للطبيب قبل أن تتحول عقارب الساعة إلى الحادية عشرة صباحاً، فتغلق العيادة أبوابها فى وجوههم. «الوطن» رصدت معاناة بعض المرضى داخل عيادة الأمراض العصبية، واستمعت لشكواهم التى تعددت ما بين سوء التنظيم داخل العيادة، وقلة اهتمام الأطباء بهم، فضلاً عن عدم توافر كافة الأدوية التى يحتاجون إليها فى الصيدلية التابعة للمستشفى.
على أحد المقاعد المقابلة للعيادة، جلست «أم محمود»، 48 عاماً، فى انتظار دور ابنها فى الدخول للطبيب، تمسك فى يدها كراسة صغيرة مدون فيها بعض البيانات الخاصة به كاسمه وسنه وعدد المتابعات التى أجراها، تروى بنبرة حزينة حكاية مرضه التى بدأت منذ 4 سنوات، حيث كان يشكو طفلها الذى يبلغ 14 عاماً، بصداع مستمر أثناء مذاكرة دروسه أو مشاهدته للتلفاز، ما دفعها إلى الذهاب لمستشفى إمبابة العام التى تبتعد عن منزلها قليلاً للاطمئنان عليه، وبعد متابعة استمرت لمدة شهر كامل مع الطبيب، ساءت حالة ابنها «محمود»، بحسب كلامها: «العلاج اللى كان بياخده ماجبش نتيجة خالص، وكنت لما أروح للدكتور يغير له العلاج، لحد ما أغمى عليه فى يوم وهو رايح المدرسة ولقيته بيعمل حركات لا إرادية ومش فى وعيه»، حينها نصحها الطبيب بالذهاب إلى مستشفى قصر العينى لشكه فى إصابته بمرض الصرع: «يومها اتصدمت من كلام الدكتور وماصدقتهوش لأن مفيش فى عيلتنا حد عنده المرض ده».
"أم محمود": "مفيش دكاترة هنا بتهتم بالمريض حتى لو شافوه قدامهم بيموت".. و"محمد": "النوبة بتيجى لبنتى 5 مرات فى الشهر وأطفالها بيخافوا يقربوا منها"
لم تتردد «أم محمود» فور إصابة نجلها بنوبة صرع مرة ثانية بالذهاب إلى قسم الاستقبال والطوارئ بمستشفى قصر العينى، وبعد إفاقته أكد لها الطبيب إصابته بذلك المرض وأخبرها بضرورة المتابعة فى عيادة الأمراض العصبية التى تفتح أبوابها لمرضى الصرع يوم الأحد أسبوعياً، حتى تتمكن من تشخيص حالته بدقة وصرف العلاج اللازم له، على حد قولها: «لما دخلنا للدكتور سألنى وإحنا واقفين عن مشكلة ابنى، ولما قلت له على اللى بيشتكى منه طلب منى أعمل له أشعة على المخ». 3 أشهر كاملة ظلت فيهم السيدة الأربعينية تتردد على قسم الأشعة بالمستشفى أملاً فى إجراء ما طلبه الطبيب منها لكنها كانت فى كل مرة لا تجد سوى رد واحد: «لسه دور ابنك مجاش يا حاجة.. إحنا هنبلغك»، مشيرة إلى أنها لم يكن أمامها سوى انتظار دور ابنها نظراً لعدم قدرتها على إجرائها على نفقتها الخاصة، وفقاً لكلامها: «لما لقيت دورنا هيتأخر طلبت من الدكتور يكشف عليه ويكتب له أى علاج عشان النوبات اللى بتجيله دى، خصوصاً أنه بيروح مدرسة ودروس بس ساعتها قال لى ما ينفعش لازم أشوف الأشعة الأول».
يقطع حديثها لـ«الوطن» صوت أحد المرضى ينادى بنبرة مرتفعة: «مين اللى تبع الحالة دى»، لتنتفض السيدة الأربعينية من مجلسها متجهة نحو باب العيادة التى كان يجلس بداخلها ابنها لتجده ملقى على الأرض متشنج وفاقد للوعى، حاولت الأم وبعض المرضى إفاقته وإجراء الإسعافات اللازمة له، إذ اعتادت السيدة الأربعينية، وفقاً لكلامها، إسعافه بنفسها رغم وجودها داخل المستشفى: «مفيش دكاترة هنا بتهتم بالمريض حتى لو شافوه قدامهم بيموت، أول مرة جات له نوبة الصرع وإحنا بنكشف الدكتور سابه مرمى على الأرض وراح يكشف على غيره، وبقيت أنا اللى بساعده لحد ما فاق، بس هعمل إيه باجى هنا لأن الكشف ببلاش».
قبل 3 أعوام، كان «محمد. ع»، ميكانيكى، 52 عاماً، يصطحب ابنته، البالغة من العمر 23 عاماً، إلى عيادة الأمراض العصبية شهرياً، لمتابعة حالتها بعدما أصيبت بمرض الصرع وصرف العلاج اللازم لها، لكنه لم يعد يفعل ذلك منذ قرابة 9 أشهر، حيث أصبح يكتفى بالذهاب وحده للطبيب ومعه كراسة المتابعة الخاصة بابنته، بحسب كلامه، مبرراً ذلك بأن الطبيب يكتفى بالنظر على كراسة المتابعة ويكرر علاجها دون أن يستمع لشكواها: «الدكتور مكنش بيكشف عليها ولا حتى بيطلب أشعة عشان يطمّنا على حالتها، كل شهر نروح يكتب لها نفس العلاج وبنصرفه من الصيدلية، فحسيت إن مالهاش لازمة أجيبها معايا وأبهدلها، وبقيت باجى أنا مكانها ومحدش بيقول لى حاجة».
"أحمد": "الروشتة مش بنلاقى منها غير نوع أو اتنين" وأستاذ أمراض عصبية: "العيادة تستقبل مئات الحالات شهرياً"
يحرص الرجل الأربعينى الذى يسكن بمنطقة منيل شيحة التابعة لمركز أبوالنمرس بالجيزة، على الإمساك بكراسة المتابعة الخاصة بابنته التى يضعها داخل كيس بلاستيكى ملازم له، قائلاً: «من يوم ما جيت هنا ومفيش تحسن، حتى لما تعبت وجبتها ليهم كتب لها نفس البرشام من غير ما يكشف عليها»،
ويتابع «محمد» بنبرة صوت يشوبها البكاء حديثه: «النوبة بتجيلها نحو 5 مرات فى الشهر بس بتفضل تعبانة بعدها شوية، ده غير إن لما عيالها بيشوفها كده بيخافوا يقربوا منها وده بيأثر على نفسيتها وبيتعبها أكتر، ولما سألت الدكتور هتفضل على الحال ده لحد إمتى قال لى إن الصرع مرض مزمن ومش بالساهل إنها تخف منه، ومن وقتها وإحنا فوضنا أمرنا لله».
لم تكن أزمة مرضى الصرع الذين يترددون على مستشفى قصر العينى لمتابعة حالتهم الصحية هى قلة الاهتمام بالمرضى فقط، إنما هناك أزمة أخرى تزيد من معاناتهم تتمثل فى عدم توافر كافة الأدوية التى يحتاجون إليها داخل الصيدلية، إذ يضطر بعضهم إلى شرائها على نفقته الخاصة، فى حين أن البعض الآخر يكتفى بما يصرفه من المستشفى لضعف إمكانياته المادية، من بينهم «أحمد. ج»، عامل، 32 عاماً، الذى جاء من منطقة «فيصل» قاصداً المستشفى فى رحلة شهرية لم تخل من معاناة، فعلى الرغم من وجوده بالمستشفى فى السابعة والنصف من صباح اليوم، إلا أن ثلاث ساعات من الانتظار لم تكن شفيعة له فى الدخول للطبيب: «بتعب لما باجى المستشفى هنا لأن مع التوتر والعصبية بتجيلى نوبة صرع، وللأسف مفيش نظام فى العيادة ولا حتى على شباك التذاكر، الكل بيتخانق عشان يلحق يدخل قبل ما الدكتور يمشى».
يشكو الشاب الثلاثينى الذى يعول أسرة مكونة من 3 أفراد، من نقص بعض الأدوية التى يكتبها له الطبيب المعالج فى الصيدلية التابعة للمستشفى، إذ يضطر فى بعض الأحيان إلى شرائها على نفقته مما يزيد من أعبائه: «الروشتة بيبقى فيها أكتر من صنف دوا بلاقى منهم نوع بس أو اتنين، والباقى ميكونش موجود، ولما بسأل يقولك ده مش موجود وابقى تعالى اسأل تانى، ده غير إن الدوا اللى موجود بيدونى منه نص الجرعة اللى بحتاجها وكإنى بشحت منهم علاجى».
وقالت الدكتورة، أمانى رباح، أستاذ الأمراض العصبية بمستشفى قصر العينى، إن «العيادة تقدم خدماتها لكافة المرضى من مختلف محافظات مصر، وهو ما يشكل نوعاً من الضغط عليها، إذ تستقبل العيادة، وفقاً لكلامها، مئات المرضى الجدد شهرياً، فضلاً عن وجود مرضى تتابع حالتها فى المستشفى منذ سنوات طويلة، مضيفة: «فيه بعض الحالات بيكون مرض الصرع عندها مزمن، بتفضل تتابع معانا طول حياتها، وفيه حالات جديدة نستقبلها، فده بيخلى على طول فيه زحام على العيادة، وبنحاول ننظم ده بأننا خصصنا عيادة للسيدات وأخرى للرجال لتخفيف الضغط».
وتشير «رباح»، إلى وجود نقص فى بعض الأدوية الخاصة بمرضى الصرع نظراً لتكلفتها العالية من ناحية، وكثرة المترددين على العيادة من ناحية أخرى، إذ يقوم المستشفى فى حالة وجود نقص بالأدوية بصرف نصف العلاج المحدد للمريض، أما إذا كانت جميع الأصناف متاحة، وبكميات كبيرة يتم صرفها بالكامل لهم، بحسب كلامها: «أغلب مرضى الصرع بنكتب ليهم أكثر من صنفين علاج، وفيه حالات بتاخد 4 أنواع وكل مريض على حسب حالته، والأدوية بتاعتهم مكلفة جداً وأقل علاج فيهم بـ75 جنيه ده غير أنهم بيحتاجوا فى الشهر أكثر من علبة، فالمستشفى بتحاول أنها توفر لهم الكمية اللى بيحتاجوها لكن عدد المرضى دايماً بيكون أكتر من كمية الدواء المتاحة»، مشيرة إلى أن العيادة تحاول جاهدة فى توفير خدمة طبية جيدة للمرضى.
وعن شكاوى المرضى من طول الانتظار لإجراء أشعة أو رسم مخ بالمستشفى، توضح «رباح» أن عدد الأجهزة المتاحة بالمستشفى لا يتناسب مع عدد المرضى التى تتردد على مركز الأشعة، مشيرة إلى أن رسم المخ يحتاج لوقت طويل حتى يتم إجراؤه، مضيفة: «رسم المخ بياخد نحو ساعة، يعنى لو الجهاز هيشتغل 5 ساعات فى اليوم يبقى هناخد 5 حالات بس، وطبعاً ده رقم قليل مقارنة بالأعداد اللى بتكون منتظرة دورها».