«آخر مُبيض»: اللى يفهم فى الأكل يطبخ فى أوانى نحاس
آخر أسطوات تبييض النحاس
«جرانيت وسيراميك وألومنيوم واستانلس»، خامات غزت سوق الأدوات المنزلية وأوانى المطبخ، بعد أن كان «النحاس» بلونيه الأصفر والأحمر، يتربع على عرش المطابخ فى البيوت، حيث كانت كل أسرة تعطيه أهمية كبيرة، تتخطى أحياناً أهمية الشبكة الذهب، وحتى يمكن استخدام الأوانى النحاس فى إعداد الطعام، كان لا بد من الذهاب إلى «المبيض» ليطليها بمادة القصدير، وبعد مراحل معينة يتحول الإناء من الداخل إلى اللون الأبيض، لمنع تأثير درجة الحرارة عليه.
الآن، انقلبت المعايير وانجذبت الفتيات نحو الخامات المستحدثة، حتى أصبح من النادر جداً أن تجد أوانى طعام من النحاس، فكان من الصعب علينا الوصول إلى شخص ما زال يعمل فى مهنة «مبيض النحاس».
فى منطقة «الجمالية»، يجلس محمد شحاتة، 60 عاماً منتظراً أن تأتيه قطعة نحاس صفراء أو حمراء ليرشها بمياه النار الحامية ثم مياه نار مطفأة ليطهرها، ثم يضع القطعة على موقد نار حتى درجة حرارة تمكنه من طلاء مادة القصدير عليها بعد انصهارها لتصبح القطعة جاهزة للاستخدام الصحى خلال ساعة فقط.
"شحاتة": طهى الطعام فى الأوانى النحاسية يعطيه مذاقاً خاصاً.. و«ماحبش ولادى يورثوا مهنتى»
ويحكى شحاتة أن استخدام النحاس الآن أصبح مقتصراً على قطع الديكور والزينة، بما يعنى أنه لم يعد هناك حاجة لتبييضه، لأن تبييض النحاس يكون فقط عند استخدامه فى إعداد الطعام لنزع السُمية الناتجة عن تفاعله مع الحرارة «زمان كان كل بيت يبقى فيه حاجات نحاس، لكن دلوقتى انقرض.. محبش أورثها لأولادى لأن مابقاش فيه فايدة من المهنة». طهى الطعام فى الأوانى النحاسية يعطى له مذاقاً خاصاً، ما يجعل بعض المطاعم لا تزال تستخدمه، فهو يترك الطعم والرائحة للطبخة، كأنه يتعامل مع الأمر بحيادية شديدة وفقاً لـ«شحاتة»، آخر مبيضى النحاس «اللى بيفهم فى الأكل مش هيطبخ غير فى النحاس، لأنه بيخلى نفس الأكل حلو مش زى باقى الحلل اللى بتغير الطعم، وبيحتفظ بالحرارة لوقت أطول، والناس اللى بتصنع روائح يدوى بيستخدموا النحاس علشان يحافظ على الريحة الأصلية»، ما يجعل زبائن شحاتة على قلتهم مقصورين على صانعى الحلويات ومعامل الألبان ومنتجى الروائح العطرية.