مصر وأوروبا.. انطلاقة تجاوزت عثرات «ما بعد 25 يناير»
الرئيس الفرنسى يتجول بحرية فى معابد الأقصر
مرت العلاقات المصرية - الأوروبية، بداية من 25 يناير 2011 بحالة من القلق والفتور، وانتقلت إلى حالة من القبول مع مطلع 2014، ثم تطورت إلى شراكة كاملة وتعاون مثمر خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، ولم تكن العلاقات المتقلبة فى البداية عشوائية، إنما تحكمت فيها مجموعة من العوامل، بحسب متابعين، أفضت فى النهاية إلى الصورة المتميزة التى وصلنا إليها الآن.
فى بداية التحسن اعتمدت العلاقة بين مصر وأوروبا على دعم الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب، ثم جاءت مسألة الطاقة فى منطقة شرق المتوسط، لتضع أساساً جديداً لمرحلة التعاون الكامل.. «ما حدث هو إعادة تأسيس للعلاقات المصرية - الأوروبية»، وفقاً لرئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، أحمد ناجى قمحة، الذى قال لـ«الوطن» إن «أوروبا كانت تنظر إلى مصر فى الفترة التى أعقبت 25 يناير 2011 بعين الريبة والترقب والقلق، والصورة التى تم تصديرها عن الدولة المصرية بعد 2011 غيرت كثيراً من مفاهيم الأوروبيين عن الدولة المصرية».
وأضاف «ومع تصاعد الأحداث، كانت أوروبا ترى أن الدولة المصرية فيها قلق كثير، وهذا مغاير لما كانت عليه قبل 2011، حيث كانت تنظر إلى مصر باعتبارها دولة كبيرة، وزعماء أوروبا كانوا ينظرون إلى قادة الأجهزة الأمنية والقيادة السياسية المصرية نظرة احترام وتقدير». متابعاً: «الانهيار السريع الذى حدث للدولة المصرية المدنية فى 2011 بفعل عوامل كثيرة جداً أسهمت فى تشويه صورة الدولة المصرية، وطرحت فكرة مجتمع الفوضى والمجتمع الظلامى، وعدم الاستقرار فى الفترة من 2011 وحتى ثورة 30 يونيو خلق قلقاً لكل الأطراف ناحية المنطقة، وخاصة مع تراجع دور مصر حيال كثير من قضايا الإقليم». وأكد: «جاءت 30 يونيو وأوروبا لديها هذه النظرة إلى مصر، وكان تقدير التحرك الشعبى فى 30 يونيو مطلوباً توضيحه، فكان هناك تحرك عالٍ من مصر فى هذا الاتجاه، وتحرك من الدبلوماسية العربية فى الوقت ذاته، وبالتالى كنا فى مرحلة إعادة بناء العلاقات مع أوروبا، وقد حدث ذلك سريعاً»، موضحاً أن «البناء السريع للعلاقات المصرية - الأوروبية كان على أساس أن فترة الانقطاع أو التراجع لم تكن طويلة فى الفترة فقط من 2011 و2013، الفترة التى غاب فيها شكل الدولة المصرية، وبعد 2013 بدأنا مرحلة بناء مؤسسات الدولة، وهذه أهم خطوة بالنسبة لأى دولة فى العالم، خاصة أن أوروبا تريد التعامل مع دولة بها مؤسسات، وأوروبا رأت ذلك يتحقق فاستعدنا العلاقات خطوة بخطوة».
وقال «قمحة»: «اعتمدنا فى استعادة العلاقات على الدول التى نملك معها زخماً تاريخياً، مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا، إنما بريطانيا يجب أن نضع فى اعتبارنا أنها دولة فى عداء مع مصر على طول الخط كونها لا تنسى أبداً أن مصر كانت مستعمرة بريطانية، ولا تنسى الأذناب التى تركتها فى مستعمراتها، وبالتالى اعتمدت مصر على إعادة العلاقات مع الدول المحورية الأوروبية»، مضيفاً: «بعد ذلك بدأنا التحرك إلى المناطق الأوروبية شديدة الشبه بالحالة المصرية، بالاتجاه إلى جنوب أوروبا، والتأسيس إلى أشكال جديدة من العلاقات مع دول أوروبية لا تقوم على الزخم التاريخى، وإنما تقوم على علاقات مصلحية، وعلاقات المصالح هى لغة العالم، وعملنا على هذا وربطنا ذلك بمشروعات مشتركة وتبنّى وجهات نظر مختلفة تجاه قضايا المنطقة».
"قمحة": صورة الدولة المصرية تم تشويهها لدى الدول الأوروبية عقب 2011 لكننا نجحنا فى إعادة تأسيسها بعد 2013
وتابع: «نجحنا كثيراً فى تغيير بعض وجهات النظر الأوروبية حيال بعض القضايا، غيّرنا كثيراً فى المواقف الأوروبية تجاه القضايا الإقليمية الشائكة بعد 2013، واستعدنا أوروبا كمساند لمصر فى القضايا التى تهمنا، كالموقف من قرار الرئيس الأمريكى الذى يعترف فيه بسيادة الجولان على إسرائيل وكذلك القضية الفلسطينية».
من جهته، قال خبير العلاقات الدولية الدكتور أيمن سمير، إن «الاستثمارات الأوروبية كانت متوقفة فى مصر قبل 30 يونيو، والعلاقات كانت متراجعة، كان هناك دعم سياسى أوروبى مشروط لمصر، لكن لم يكن هناك لا استثمارات ولا دعم اقتصادى، وكانت الدول الأوروبية تراقب ما يدور فى مصر فى حالة من الشك وعدم اليقين لأنها كانت مرحلة رمادية». وأضاف لـ«الوطن»: بعد 30 يونيو 2013 كان الموقف الأوروبى صادماً للمصريين، والمواقف الأوروبية فى بدايتها كانت مواقف خشنة لا تتوافق مع الواقع المصرى وغير متفهمة لما يدور فيه، وإن كانت هناك مواقف لمصلحة مصر، خاصة اليونان وقبرص ومالطا، الدول الثلاث حاولت بقدر الإمكان تخفيف لهجة البيانات والخطابات الأوروبية حيال مصر.
"سمير": السيسى تحرك بمهارة فائقة فنجح فى تحويل المواقف الأوروبية من "المعارضة" إلى البحث عن الشراكة الكاملة
وأشار إلى أن «الموقف الفرنسى كان أول تحول فى الموقف الأوروبى حيال مصر، بعد زيارة وزير الخارجية السعودى الراحل سعود الفيصل إلى فرنسا ولقائه الرئيس الفرنسى السابق فرانسوا أولاند، فتحولت فرنسا إلى الدعم والمساندة لمصر وللثورة المصرية». متابعاً أن «الرئيس عبدالفتاح السيسى استطاع بمهارة شديدة أن يحدث استدارة فى المواقف الأوروبية، دول أوروبية وأطراف أوروبية معينة ومراكز فكر بالكامل كانت كلها ضد إرادة الشعب المصرى فى 30 يونيو، حصل لاحقاً استدارة كاملة عن هذه المواقف إلى البحث عن الشراكة الكاملة، تحولات كثيرة فى السياسة الأوروبية لدعم مصر، وهناك مشروعات شراكة حقيقية بين الاتحاد الأوروبى ومصر بما فى ذلك مشروعات الطاقة».
وأكد: «كل مشروعات الطاقة فى مصر، الاتحاد الأوروبى شريك فيها، حتى مشروعات الطاقة مع قبرص واليونان الاتحاد الأوروبى هو الذى أعد دراساتها وبالتالى مشروعات الطاقة ليست مع الدول الثلاث وإنما مع الاتحاد الأوروبى».
ويربط كثير من التقارير الإعلامية الغربية العلاقات بين أوروبا ومصر بمرحلة جديدة تتمحور حول اكتشافات الطاقة فى منطقة شرق المتوسط، خاصة تقارب العلاقات بين مصر واليونان وقبرص، وهذا التعاون فى مجال الطاقة يرتبط كذلك بتحقيق مجموعة من الفوائد السياسية لهذه الدول تتمثل فى مزيد من الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط ومنطقة جنوب المتوسط.