رمضان زمان| "خدعة القطايف" لوزير المعارف: عجين عرفته على حقيقته
قطايف
"القطايف"، حلوى ارتبطت بشهر رمضان، عرفها المصريون قبل قرون، يرجعها البعض لنهاية العصر الأموي وبداية العباسي، بينما رجح آخرون ظهورها مع العصر المملوكي، منذ عقود وهي متاحة لأهل الحضر، وحتى قبل 70 عرفها "الريفيون" كحلوى لـ"أبناء الذوات".
يروي أول وزير معارف لثورة يوليو، علي أيوب، أول تجربة له معها، حين أراد أن يعرفها "على حقيقتها" بعد أن سمع عنها الكثير، ويذكرنا باحث التراث، أيمن عثمان، بمقال لـ"أيوب"، نشره بمجلة "الإثنين والدنيا"، يوليو 1953.
من أعماق الريف انتزعته الدراسة ليلتحق بالقسم الداخلي لمدرسة الناصرية، وكانت بمبنى عتيق، مكانه الآن المدرسة السنية للبنات.
هلّ عليه رمضان بها وعمره سبع سنوات، وتصادف أن أدخلت المدرسة تعديلات على وجبات التلاميذ، فأضافت الفول المدمس والمشمشية والكنافة.
كتب الوزير: "كنا إذا ما اجتمعنا مع زملاء القسم الخارجي في الصباح، تحدثنا عما قدم من طعام وما ينتظر أن يقدم، ولأن بينهم كثيرين من أبناء الذوات، كانوا يتغنون بالطيبات التي يأكلونها في بيوتهم، وكنت أفهم ما يذكرون، إلا (القطايف) التي لم أسمع بها ولم أعرف ما هي".
خجل "أيوب" من السؤال عن "القطايف" خشية تهكم زملائه إذا عرفوا جهله بها، حتى قرر في يوم العطلة (الجمعة) أن يتعرّف عليها بنفسه، وهو اليوم المسموح له فيه بالخروج من المدرسة، فاستلم مصروف الأسبوع، 5 قروش، وأسرع إلى شارع "خيرت" حتى وجد رجلًا نظيف الهندام يحمل على رأسه صينية كبيرة وينادي: "قطايف.. قطايف"، فطلب منه بمقدار قرشين.
رغم أنه لم يكن يصوم رمضان حينها إلا أن احترم الشعور العام، مع تعجله اختبأ في زقاق ضيق لتناول "القطايف"، وأخذ كمية كبيرة ودفعها إلى فمه "لأنال هذه المتعة المرتقبة قبل أن يفاجئني المارة.. وحاولت أن أمضغها وأزردها، ولكني لم أجد سوى عجين وقف في حلقي ولم يكن له طعم أو عذوبة، واضطررت إلى أن أخرجه من فمي وأن ألقي ما أحمله على الأرض".
رآها "مجرد عجين"، وحزَّ في نفسه أنه خسر نصف مصروفه بغير فائدة "كشفت لي التجربة عن تفاهة أبناء الذوات الذين يمتدحون صنفًا لا يؤكل ولا يشرب"، ازداد اعتقادًا بأن أهل الريف وحدهم هم الذين يعرفون أطياب الحياة، تكتم على الواقعة، حتى مرت الأيام والسنون وساقت له الصدف فرصة عرف فيها القطايف على حقيقتها على مائدة أحد أصدقائه، ليعرف أن هناك طريقة لتجهيزها، وأنها لا تؤكل كما فعل في سيرتها الأولى دون حشو وقليها في الزيت.