اللهم إني صائم.. الموسكى: موسم الرزق بدأ واتجمعوا الحلوين تجهيز عرايس وسجاجيد صلاة وصواريخ
زحام أمام باعة الملابس
تتعامد الشمس فوق الرؤوس، فتدفع البعض للهرب منها والسير فى ظلال الحوائط العالية والعقارات المرتفعة، بينما يدخل البعض الآخر للحوارى الضيقة، فيقل اقتراب الشمس منهم ولكن تزداد سخونتها فيتصبب الجسد عرقاً، ليلجأ الكثيرون إلى ترطيب أجسادهم من خلال صب المياه على رؤوسهم وغسل وجوههم، وترطيب الشفاة، ومحاولة قضاء حاجتهم سريعاً وشراء مستلزماتهم، والخروج من الشارع المزدحم بأقل خسائر ممكنة قد يحدثها الزحام لهم، هكذا بدا المشهد فى واحد من أبرز معالم القاهرة التجارية، حيث يعد شارع الموسكى قبلة لمن أراد تجهيز العرائس أو شراء الأدوات الكهربائية، وكذلك «سجاجيد» الصلاة والمسابح.
بائع الكبدة يجهز الساندوتشات للصائمين.. وأصوات الشيّالين: "وسّع وسّع".. والميكروفونات: "خش عليّا" البس ولبّس العيال
فى بداية الشارع الضيق والمزدحم بالمواطنين، اصطف البائعون يميناً ويساراً لعرض بضاعتهم فى محاولة لجذب أكبر عدد من الزبائن من أجل الشراء، فوق عربة خشبية عريضة ومرتفعة عن الأرض أمتاراً عديدة بها العديد من «التيشيرتات» الملقاة بشكل عشوائى على لوح خشبى مثبت بإحكام فوق العربة موضوع باتساع كبير، حتى يتناسب مع حجم البضاعة المعروضة، وقف صبى صغير على الجزء الخلفى للعربة، ممسكاً بيده ميكروفوناً، ينادى بأعلى صوت له لجذب الزبائن: «قرب قرب تعالى يا باشا خشى عليا يا هانم، بعشرين جنيه يا أستاذ البس ولبس العيال»، صوته الصادر من حنجرته الصغيرة جعل عروق رقبته تنفر من شدة صوته، ونجح فى جذب عدد كبير من المواطنين أمام العربة، فتجمعوا حولها ليسألوا عن الأسعار». السير خطوات والتوغل داخل الشارع الضيق يحتاج جهداً كبيراً فى اقتحام الكتل المكونة من الزبائن الواقفين أمام العربات بشكل غير منتظم يعيق سيولة الحركة فى الشارع التجارى الأشهر فى قاهرة المعز، والذى تقلصت مساحته بشكل كبير بفعل تعدى الباعة على الأرصفة المخصصة للمشاة، ففى منتصف الشارع يفترش الباعة بضاعتهم، تاركين خلفهم ممراً صغيراً لا يكاد يسع شخصين يسيران معاً، ولا توجد مساحة واحدة للوقوف، فمن يقف تدهسه الأقدام، فهذا شاب من شدة الزحام تمزق حذاؤه بعد أن وقف عليه أحد الأشخاص دون أن يدرى، وتلك سيدة تحمل طفلاً صغيراً، لا تجد مفراً من الزحام إلا بالوقوف أمام أحد فروع إحدى الشركات الشهيرة، والتى تمنع الباعة من الوقوف أمامها، ما يجعل منها ملاذاً لمن أراد الهروب من الزحام الشديد، الذى دفع بعض أصحاب المحلات التجارية إلى تعيين فرد له مهمة واحدة وهى مراقبة الزبائن خشية أن يقوم أحد اللصوص بسرقة مقتنيات المحل دون أن يدرى صاحبه، نظراً للبضاعة الكثيرة التى لا حصر لها والازدحام الذى يحجب الرؤية تماماً، أمام أحد المحلات وقف شاب عشرينى على علبة مصنوعة من الصفيح يبدو عليه التركيز الشديد، فعيناه الثاقبتان تراقبان فى صمت كل من يمر أمام المحل الذى افترش صاحبه الرصيف أمامه لعرض بضاعته التى لا طاقة للمحل بها نظراً لضيق مساحته.
الهدوء يسيطر على المكان، الجميع يسيرون بشكل منتظم فى طوابير، لا أحد يستطيع تجاوز الآخر، حتى لا يسقط أحد القطع التى يعرضها الباعة فى الشارع دون أن يدرى، أصوات الشيالين تتعالى: «وسّع يا عم انت وهو العربة لو خبطتك مليش فيه»، من بين الصفوف تنشق الأرض عن الشيالين الذين يقتصر دورهم على توصيل البضاعة من المخازن إلى المحلات المنتشرة بطول الشارع.
أمام محل صغير يبيع ألعاباً نارية يقف بعض الصبية يسألون عن أسعار «الصواريخ»، ثم يتركونه بعد أن أخبرهم بأن سعر العلبة الصغيرة ٦٠ جنيهاً، وهو ما اعتبروه مغالاة فى الثمن، وحاولوا البحث عن أحد المحلات التى تبيع بأسعار مخفضة، وبالفعل وجدوا ضالتهم عند إحدى العربات الصغيرة التى يقف صاحبها بجوارها على استحياء: «عندك صواريخ يا صاحبى»، يرد: «أيوه عندى عايزين كام علبة» ليبادر أحدهم بالرد قائلاً: «يا عم هى علبة مفيش غيرها، هتبيعها على كام».
الازدحام يصل إلى ذروته حتى الخروج من موسكى العتبة، والدخول إلى موسكى الحسين والذى يقف أمامه عدد كبير من ضباط الداخلية لتأمين الباعة والمواطنين ومحاولة تنظيم حركة السير، فى بداية الممر الثانى للموسكى تنتظم الحركة، ثم بعد ذلك يتكدس المواطنون أمام الباعة من أجل الشراء أو المشاهدة و«الفصال»، وبعد نصف ساعة من الهدوء التام تتعالى الأصوات فجأة، والازدحام يشتد ولا أحد يمكنه السير، الجميع ينظر بفضول شديد ليعرف ما الذى حدث، حتى اكتشفوا أن مصدر الصوت والصراخ كان لسيدة ومعها ابنها شاب صغير، تشاجر مع شيال بعد أن قام الأخير بإصابتها فى قدميها بعربته المحملة بالملابس.
عند الخروج من الشارع، فستجد بائع الكبدة يقف على عربته لكى يجهز «الساندوتشات» للصائمين من البائعين الذين اعتادوا على الإفطار عنده نظراً لصعوبة ترك بضاعتهم، فالشارع يظل مزدحماً حتى الساعات الأولى من الصباح.