منذ عدة سنوات، حينما كان يُسمح للإخوان بالتمطع فى الجامعات، وقفت طالبة فى أحد مدرجات الجامعة الكبيرة التى تستوعب الآلاف، ترد بصوت جهورى على طلبة التيار الإسلامى وتناقشهم، وبدلاً من الرد عليها بالمنطق قالوا لها لها: «اسكتى، صوت المرأة عورة».
الشابة كانت قوية ومثقفة، ضحكت لأنها تعلم أن ما تم قوله حجة الضعيف وابتزاز دينى لمن لا يعرف دينه، ردت الشابة عليهم، أخرستهم قائلة: «انتو مش واخدين من الإسلام غير العنوان والباقى دين اخترعتموه». وذكرت قصة مهمة جداً لسيدة من السيدات الجليلات فى الإسلام، قصة السيدة عائشة بنت طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة رضى الله عنه، وحفيدة أبوبكر الصديق، أحد العشرة المبشرين بالجنة وأول خليفة للرسول، لأن أمها أم كلثوم بنت أبى بكر، وبالطبع خالتها السيدة عائشة بنت أبى بكر زوجة الرسول رضى الله عنها، وهى تربت على يد خالتها. عائشة كانت قوية، مثقفة ولها مال تتاجر به، كما كانت شاعرة ولديها صالون أدبى، كما كانت راوية للحديث الشريف، روت عن خالتها عائشة بنت أبى بكر الكثير من الأحاديث، وروى عنها صحابة كثر، منهم حبيب بن أبى عمرة، وابن أخيها طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، وابن أخيها معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله، وابنها طلحة بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبى بكر، وعبدالله بن يسار، وعطاء بن أبى رباح، وعمر بن سويد، والمنهال بن عمرو، ويوسف بن ماهك المكى.
لم يجرؤ أحد أن يقول إن صوتها عورة، أو لا تأخذوا عنها حديثاً شريفاً لأن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل.
عاشت عائشة بنت طلحة حياتها بكل قوة، تتاجر فى مالها وتنفق على صالونها الأدبى، ويقال إنها «كانت تقيم بمكة سنة، وبالمدينة سنة»، وتخرج إلى مالها وأعمالها بالطائف تدير أمورها بنفسها، وهى نموذج التطبيق العملى للذمة المالية المستقلة للمرأة اللى أكد عليها الإسلام، لم تسمح لأحد أن يمنعها من الخروج أو السفر، أو الإشراف على مالها وتجارتها أو حتى ممارسة هوايتها فى الشعر.
من أسفار عائشة بنت طلحة المهمة سفرها إلى الطائف، وكان لها قصر فيها فتتنزه، وتتابع مصالحها كذلك، وفى فترة جفاف وخسائر كبيرة للتجار ذهبت إلى هشام بن عبدالملك
فقال لها: «ما أقدمك؟».
فقالت: «حبست السماء قطرها ومنع السلطان الحق»، يعنى «الدنيا جفاف واحنا خسرانين ومفيش تعويض»، فأمر لها بمائة ألف درهم.
عن ابن إسحاق عن أبيه: «دخلت على عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وكانت تجلس، وتأذن كما يأذن الرجل». أحد المتشددين آنذاك راح يقول لها: «إن القوم يريدون أن يدخلوا إليك فينظروا إلى حسنك!».
لكن السيدة عائشة كانت تعلم جيداً أن الغرض من هذا الكلام هو الهزيمة النفسية لامرأة ناجحة وقوية، فردت قائلة: «أفلا قلت لى فألبس أحسن ثيابى».
ولأن طالبة كلية التجارة كانت تعلم قصة عائشة بنت طلحة، فقد ردت على الجاهل الذى لم يستطع مناقشتها فاستخدم الدين الزائف لكى يُسكتها، فأسكتته هى، لكن الغريب أن هذه القصص لم ندرسها فى المدارس، وإنما درسنا تاريخاً مزيفاً أُخفى فيه تاريخ النساء.