علمونا فى المدارس والجامعات عن النساء والرجال فى العصر الأول من الإسلام وكأنهم ملائكة يمشون مطئطئى الرؤوس من شدة الطاعة، لا خلاف ولا اختلاف، وكأنهم ملائكة تمشى على الأرض، وكأنه مجتمع متجانس ملىء بالعدل، حتى سمعنا المقولة الشهيرة عن عمر بن الخطاب «حكمت، فعدلت، فنمت يا عمر»، ولم يستكمل قائل هذه المقولة أنه بدءاً من عمر مات كل الخلفاء الراشدين مقتولين مغدورين.. هذا يعنى أننا مجتمع بشرى عادى، فيه الخير والشر، التنافس والصراع. وفى هذا المجتمع كان وضع المرأة متوقفاً على مكانتها الاجتماعية والاقتصادية، لم يكنّ حبيسات المنازل ولا خفيضات الرؤوس، وإنما منهن السياسيات والتاجرات صاحبات المال والأعمال.
بمراجعة ما دُرس لنا نجد أن ما نعرفه حتى عن أمهات المؤمنين بسيط إلى حد السطحية، فعلى سبيل المثال لا يعرف الكثيرون عن السيدة عائشة سوى أنها أصغر زوجات الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولم يتم نشر دورها الدينى، وأنها كانت راوية للحديث وفقيهة، وأن ما يزيد على ربع الأحكام الشرعية أخذناه عنها، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لنا فى حديث صحيح: «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء».
(ولفظ حميراء معناه البيضاء، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الرسول لم يتعامل مع زوجته كعورة وإنما وصف وجهها).
والسيدة عائشة كانت قوية وذكية، ولم تعش حياتها مكتفية بأن تكون زوجة للرسول، لكن كانت راوية للأحاديث، عالمة وفقيهة فى الدين، رُوى عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه أنه قال: «ما أشكل علينا -أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً»، لأنها اجتهدت فى استنباط الأحكام للوقائع التى لم تجد لها حكماً فى الكتاب أو السنّة، فكانت إذا سُئلت عن حكم مسألة ما بحثت فى الكتاب والسنة، فإن لم تجد اجتهدت لاستنباط الحكم، حتى قال الحاكم فى المستدرك إن ربع أحكام الشريعة نُقلت عن السيدة عائشة.
وكانت تناقش بقوة وترد أقوالاً لأكبر الصحابة، بل كانت على خلاف مع أبوهريرة وترى أنه يتقوّل على الرسول، وكثيراً ما كانت تصحح أحكاماً، بل وكانت خفيفة الظل، فعن عبيد بن عميرة قال: بلغ عائشة أن عبدالله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن (يعنى تحل ضفاير شعرها)، فقالت: يا عجباً لابن عمرو هذا، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! (يعنى ما يحلقوا أحسن)!!
وقالت: لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد ولا أزيد أن أُفرغ على رأسى ثلاث إفراغات (رواه مسلم).
وبالتأكيد الحديث عن السيدة عائشة كقائدة سياسية لها ثقل وقدرة على تحريك المجتمع يحتاج إلى مجلدات لشرحه، خاصة موقعة الجمل وتفاصيل ما قبلها وما بعدها.
لقد علمونا تاريخاً مبتوراً له ظل من الحقيقة يغطيه الكثير من الخرافة، لذا آن الأوان أن نحرر عقولنا بمعرفة التاريخ، لا سيما تاريخ النساء الذى تم إخفاؤه.
وكل عام وأنتم بخير وعلم وفكر.