رمضان زمان.. الصوم على المسامير
صورة أرشيفية
كانت السيدة طيبة القلب تعتقد أننى هندى، أو على الأقل أصوم على الطريقة الهندية ولهذا غضبت منى عندما امتنعت عن الأكل!..
كان حلول شهر الصوم المبارك، وأنا فى لندن أدرس الفن فى الأكاديمية الملكية حدثاً سعيداً، اقتضى أن نعقد له مؤتمراً ضم عدداً كبيراً من الطلبة المصريين الذين يدرسون فى عاصمة الإنجليز.
كان ذلك فى سنة 1947، والأزمات التى سببتها الحرب لا تزال مستحكمة، كانت المطاعم تقدم وجبات لا تملأ إلا معدة طفل، وهى لا تصلح لنا نحن أبناء مصر الذين اعتدنا أن تحفل موائد الإفطار عندنا بالأطباق الشهية، والأهم من ذلك الأطباق المليئة، ووصلنا فى هذا المؤتمر إلى طريقة نتغلب بها على الجوع المنتشر فى العاصمة البريطانية، هذه الطريقة هى أن يتناول الصائم طعام الإفطار عدة مرات فى عدة مطاعم.
وعدت إلى البانسيون الذى كنت أسكنه متأخراً، ونمت نوماً عميقاً، فأيقظتنى السيدة التى تدير «البانسيون» قائلة إن موعد ذهابى إلى المعهد قد حان، ونظرت للساعة فوجدت أننى تأخرت بالفعل فقمت لأغسل وجهى وأرتدى ثيابى فى دقائق، ورأيت السيدة طيبة القلب تحمل طعام الإفطار إلى حجرتى ولكنى لضيق الوقت لم أستطع أن أقول لها إننى صائم وإننى لن أتناول طعام الإفطار والغداء لمدة شهر كامل، وذهبت إلى المعهد.
عدت إلى البيت فى الظهيرة وأنا جائع، وفتحت الباب ومضيت إلى غرفتى على الفور وخلعت ثيابى ونمت مباشرة، واستيقظت من النوم قرابة الساعة الثامنة مساءً، كان بينى وبين موعد الإفطار ساعتان لأن الإفطار بتوقيت لندن فى العاشرة مساءً، ولم أر طعام الغداء الذى وضعته السيدة على المائدة، وارتديت ملابسى وخرجت لأجلس فى محل عام، وعدت إلى البيت فى ساعة متأخرة من الليل بعد أن تناولت طعام السحور، ولهذا لم ألق بالاً للعشاء الذى كانت مديرة «البانسيون» قد وضعته على المائدة وأويت إلى الفراش، ولم أستيقظ إلا على صوت السيدة وهى توقظنى ولمحت على وجهها آيات التأثر، ونظرت إلىّ طويلاً ثم سألتنى: «إلهامى.. انت لازم تقول لى انت زعلان من إيه؟»
فأجبتها قائلاً: «أنا مش زعلان أبداً».
فقالت: «أبداً.. انت زعلان وعلشان كده انت ما أكلتش امبارح.. لا الصبح ولا الظهر ولا بالليل».
فقلت لها: «أنا ما أكلتش لأنى صائم».
فسألتنى فى دهشة: «هوه فيه واحد فى الدنيا يصوم ولا ياكلش، وكان لازم تقولى علشان أحضر لك أكل صيامى».
قلت لها: «إحنا مالناش أكل مخصوص، إحنا ناكل أى حاجة بس فى ميعاد الفطار»، فعادت تسألنى فى مزيد من الدهشة: «يعنى إيه»؟.
وكان هذا يستلزم أن أشرح لها كيف نصوم رمضان قالت: «تعرف أنا كنت فاكرة أنتم بتصوموا إزاى.. ».
فقلت لها: «إزاى»؟
فقالت: «تقعدوا على المسامير زى الهنود».
وزال تأثر السيد طيبة القلب بعد أن عرفت أننى.. «مش هندى».
«إلهامى حسن»
الكواكب 1954