رمضان زمان.. موكب الرؤية فى أيام مجده وانحطاطه
موكب الرؤية فى رمضان
إسماعيل يس يشكو مر الشكوى من غيرة زوجته الشديدة، تلك الغيرة التى تستدعيه أن يهاتفها فور وصوله المسرح ليطمئنها على نفسه، يشكر «سمعة» الله على أن وهبه زوجته بعد تجربة زواج سابقة يصفها بـ«الفاشلة التعسة»، كما شكره على يس الصغير الذى يخشى عليه من عيون الحساد، فى حين تتحدث عدد من النجمات المحبوبات عن أطباقهن المميزة فى رمضان وطريقة إعدادها، وتنشر مجلة «كل شىء والدنيا» عام 1935 موضوعاً مصوراً عن كيفية استطلاع هلال رمضان والاحتفال بالرؤية بالمواكب، كما تنشر المجلة فى نفس العدد محاضرة طريفة يلقيها الأستاذ صيام عن ليالى رمضان ونهاراته.
ذكريات تاريخية وأوصاف شائقة منقولة من كتب المعاصرين
كان ذلك على عهد المماليك -وقيل قبلهم- إذ خص شهر رمضان بالنصيب الأوفر من العناية والإجلال، وأظهرت السلطات الرسمية مقدار اهتمامها به وتقديرها لمقامه الفذ بين شهور السنة. فتعاونت مع السلطات الدينية (القضاة وشيوخ الأزهر) على الاحتفال بمقدمه احتفالاً تشترك فيه الطوائف والهيئات كافة، وتم الاتفاق على إقامة حفلة فخمة لإثبات رؤية هلال رمضان يحضرها الوزير وكبار القواد ورجال الحاشية والقاضى الأكبر وقاضى القضاة والقضاة والعلماء والوجهاء والوالى والشرطة، وتقام هذه الحفلة فى «بيت القاضى».
صيام.. صيام!
وبعد ثبوت الرؤية -رؤية الهلال- يخرج من بيت القاضى موكب عظيم يسير فى مقدمته الوالى، ومن ورائه الشرطة على ظهور الجياد الأصيلة فى اللباس العسكرى الشرقى (وهو سروال أو قفطان وجبة وخنجر فى الحزام وسيف يتدلى إلى اليمين) وخلفهم طوائف العمال. وعلى رأس كل طائفة «معلمها» الذى يشرف على شئونها ويتقدم هذا الموكب ويمشى على جانبيه ومن خلفه حملة المشاعل، وأمام الجميع المنادون يهتفون: «صيام. صيام. على ما حكم قاضى الإسلام!» ويطوف الموكب أحياء المدينة حياً حياً.
ويرسل الخبر بالبريد إلى الأقاليم، أما المدن الكبيرة كدمياط ورشيد والإسكندرية وأسيوط، فكانت تستقل برؤية الهلال مع مراعاة توحيد يوم الصيام وأيام العيد فى القطر كله، وذلك بنقل أخبار الصيام والإفطار على أجنحة الحمام الزاجل.
ولم يغير الأتراك نظام الاحتفال برؤية الهلال ولا بموكب الرؤية لما دخلت مصر فى حكمهم، لكنه لم يكن فى أبهته السابقة.
بيد أنه أصبح نوعاً من التسلية والفرجة يتلهى بها شعب فقد استقلاله.
فى عهد نابليون
وقد عنى نابليون بالمحافظة على التقاليد الدينية بعد استقراره فى مصر واندحار المماليك فى واقعة «إمبابة»، فأمر بإقامة الاحتفال بمولد النبى، وحث على إقامة الموالد، وأراد أن يكون الاحتفال بالرؤية وموكبها فخماً كما كان، ولكن لم يكن للاحتفال رونقه القديم لما أصاب المصريين عموماً -والقاهريين خصوصاً- من غم وأسى وما لحقهم من خسائر، وما استهدفوا له من كساد فى التجارة والصناعة، وما فُرض عليهم من غرامات وضرائب فوق الطاقة.
******
وبقى الاحتفال بالرؤية وموكبها على ضعف وفتور خلال السنوات التى انقضت بين خروج الجنرال مينو والجنود الفرنسيين وقيام محمد على الكبير بالحكم فى الديار المصرية.
فلما توطدت حكومة محمد على وعاد للبلاد أمنها ورخاؤها واستقلالها، عاد الاحتفال برؤية هلال رمضان إلى سابق عهده، وعاد موكب الرؤية إلى ما كان عليه فى أيام المجد الذاهب.
**********
ثم تدهور موكب الرؤية وتناقص عدد الطوائف الممثلة فيه، وفتر الاهتمام به وانتظار قدومه، وسبب ذلك تلاشى نظام طوائف العمال القديم مع الزمن، فبعد أن كان رسمياً فى أيام المماليك أصبح شبه رسمى فى أيام محمد على ثم صار عرفياً فى حكم إسماعيل وتوفيق، ثم اكتسحته نظم الحياة العصرية التى مهدت لخلق النقابات.. على أنه لا مانع يمنع من إحياء نقابات العمال الحديثة لسنة درج عليها أسلافهم، ففى إحياء التقاليد إحياء للشخصية القومية وتوكيدها وإبراز أنبل نواحيها وأجمل صفاتها وأقواها.
كل شىء والدنيا 1935