أصبحت الأعياد ومنذ سنوات طويلة موسماً جيداً لتقديم الأفلام الجديدة للجمهور.. الجميع فى إجازات والمفترض أن القدرات المالية متاحة لخروج الأسر المصرية.. ولأن البهجة علمياً معدية كما الضحك تماماً، لذا يساهم خروج البعض فى عدوى عامة لتخرج الأغلبية.. ولذلك يظل أهم مواسم الأفلام المصرية الجديدة هما عيدا الفطر والأضحى، وإن كان ذلك لا يمنع وجود مناسبات أخرى مثل شم النسيم وحلول إجازة نهاية العام، وبعض الشركات تجازف وتطرح أفلامها الجديدة فى إجازة منتصف العام، ويكون لمنطقها قبول لسببين.. إنتاج بسيط يحتاج لأيام عرض تعيد ما تم إنفاقه أو الاعتماد على طلبة الجامعة ممن تشجعهم بعض الأعمال السينمائية للذهاب إلى السينما، وطبقاً لنظرية السلوك الجماعى فذهاب البعض يشجع الآخرين من المحيطين على الذهاب!
ومن المستحيل معرفة أى أفلام السينما هو الأعلى من حيث الإيرادات، التى هى معيار النجاح عند الكثيرين، إذ إن المعادلة الصحيحة هى مقارنة التكلفة مع الإيرادات على قيمة العملة على مستوى الأسعار والتضخم عند إنتاج الفيلم، ولذلك كل ما يقال عن أن أفلام السنوات الأخيرة أو سلسلة أفلام اللمبى أو رمضان أو غيرها هى الأعلى لا يمكن أن يكون صحيحاً، إذ إن الأولى سيكون فى القياس بحجم عدد المشاهدين فى دور العرض، وبهذا المعيار هناك أفلام كثيرة من أبى فوق الشجرة ونار الشوق وخللى بالك من زوزو وناصر 56 كأكثر الأفلام ازدحاماً أو بقاء فى دور العرض، لكن حتى هذا المعيار يظلم أفلاماً قديمة مثل «رصاصة فى القلب» وقد حقق مائة ألف جنيه بأسعار عام 44، وعلينا وقتها قياس عدد السكان مع عدد دور العرض قبل حتى تحويل هذا الدخل إلى أسعار اليوم!
الخلاصة.. استطعنا تحويل الأعياد إلى مواسم للسينما، وهى صناعة مهمة وراقية إن عادت لمهمتها لساهمت فى صناعة شعب واع ومثقف!
ربما قبل الفيلم استطاع شعبنا أن يحتفل غنائياً بالأعياد ربما بشكل غير موجود عند شعوب أخرى.. والاحتفال بالأعياد موجود عند كل شعوب العالم ومنذ آلاف السنين، إنما نقصد أن يغنى كبار مطربينا وليس الفلكلور الشعبى أغانى للأعياد، ولعل أشهر أغانى الأعياد الرسمية فى مصر أغنية كوكب الشرق أم كلثوم «يا ليلة العيد»، التى ربما لا يعرف الكثيرون أنها من إنتاج عام 1939 بفيلم دنانير وكتبها الشاعر صاحب الرصيد الكبير من أغانيها أحمد رامى ولحنها الموسيقار الكبير رياض السنباطى، تليها فى قائمة الأشهر ارتباطاً بالمناسبة وبذاكرة المصريين أغنية السيدة ياسمين الخيام «الليلة عيد» التى كتبها الشاعر الكبير عبدالوهاب محمد ولحنها بسلطنة كبيرة إبراهيم رأفت ثم أغنية التسعينات للفنانة صفاء أبوالسعود «أهلا بالعيد»، التى كتبها عبدالوهاب محمد ولحنها جمال سلامة ثم عربياً تأتى أغنية صوت الجبل والشمس والذهب المطربة الكبيرة فيروز، التى قدمت ترنيمة العيد وأيام العيد من تأليف وألحان شركاء المشوار والنجاح عاصى ومنصور الرحبانى أو الأخوين رحبانى أصحاب أول وآخر تجربة للتأليف والتلحين المشترك!
أما كحك العيد فهو المهمة الموسمية الملقاة هذه المرة على عاتق الأسرة المصرية نفسها.. ومهمة توفيره للأبناء وللضيوف باتت مهمة ثقيلة مع تبدل ظروف وأحوال صناعة الكحك وما حوله من بسكويت وبيتى فور وخلافه، إلى تبدل أسعاره ووصولها إلى أرقام كبيرة، حتى تحول عند البعض إلى ترف لا يستحق السعى خلفه.. كان الكحك طقساً أهلياً بامتياز فى البيوت المصرية، خصوصاً الصعيد كله وريف الدلتا.. الأفران المنزلية كانت المكان الوحيد لصناعته، ولذلك كاد يختفى من حياتنا مصطلح صاجات الكحك، وهى التى كانت تحمل الكحك عجيناً ليناً طرياً إلى الأفران لتخرج بالمخبوزات كلها ثم يتم تحلية الكحك بالسكر وفصل باقى المخبوزات لاستكمالها خارج الفرن.. أو اللجوء إلى أفران الخبز خارج المنزل لتأجيرها فى تسوية العجين وتسلمه كحكاً.. وحتى هذه الأخيرة تكاد تختفى.. وتختفى معها عادات عديدة رائعة ومهمة، منها تبادل الزيارات بالكحك أو إرساله مع الأطفال أو بأى طريقة لتزيد معها عرى وأواصر المحبة والعلاقات الأسرية والعائلية، وأصبح اللجوء إلى الكحك الجاهز هو الحل من حيث السهولة والوقت رغم كلفة ذلك المالية والاجتماعية كما قلنا!
كان الكحك المصنوع ولسنوات طويلة توفره بأسعار مناسبة وبجودة كبيرة شركة وطنية هى «بسكو مصر» قبل بيعها والتخلص منها بلا سبب فى الخصخصة.. وبلا سبب لأنها كانت رابحة وتتيح العمل للآلاف من المصريين، لكن هذا موضوع آخر «ثقيل» ليس وقته فى هذا الموضوع الخفيف الذى نناقشه مع قرائنا بمناسبة العيد!
نحتاج اليوم إلى البهجة.. نحتاجها عامة تنتقل بالمصريين من حال إلى حال.. نحتاجها طوال أيام السنة.. نحتاجها أكثر فى المناسبات السعيدة قبل تسلل طيور الأحزان.. وهى كالحكمة ضالة المؤمن.. ونريد البهجة ضالة المصرى.. لتعود معها أجواء الشارع المصرى كما كانت فى الأربعينات والخمسينات والستينات.. ولم تكن الأزمات بعيدة عن حياة المصريين سياسياً واجتماعياً.. وإنما كان الجميع يتنافس عن صيغة مثلاً لإلقاء تحية الصباح على الآخرين.. من «صباح الفل على عيون ستى الحاجة» إلى «صباح القشطة يا عم الحاج» إلى «صباح الحليب» وغيرها، بينما الابتسامة فى أقسى الظروف لا تفارق وجه الجميع.. وهذا ما نأمله.. حتى لو اصطنعناه بأنفسنا من جديد بإرادة لعودة البهجة لبلادنا!
كل عام ومصر وشعبها وكل الشعب العربى بكل خير وسلام.
الخلاصة.. استطعنا تحويل الأعياد إلى مواسم للسينما، وهى صناعة مهمة وراقية إن عادت لمهمتها لساهمت فى صناعة شعب واع ومثقف!