باحثون عن الرزق وسط المتاعب والمطاردات والديون: «عايزين ناكل عيش»
«منصور» ينتظر مشترين لقمصانه
عالم خاص، الجميع فيه يبحث عن رزق وسط الزحام، المارة يتفحصون البضائع المفروشة على رصيف العتبة بوسط القاهرة، حيث تعلو أصوات البائعين فتحدث ضجيجاً، وتتداخل مع الأصوات المسجلة التى تصدح من السماعات، كنوع من الدعاية: «تعالى يا أبلة.. أى عباية بـ190 جنيه»، وغيرها من العبارات التى تتكرر دون توقف.
فى وقت العصر، تنخفض أصوات الباعة تدريجياً بحكم إرهاق اليوم، وتتباطأ خطوات الزبائن، ولا يستعيد المكان حيويته إلا بعد نشوب «خناقة» بين بعض الباعة، وهو مشهد متكرر إثر العصبية الزائدة والتعب الشديد، فيهرول الجميع لفض المشاجرة التى سرعان ما تهدأ، لتعود الأمور إلى طبيعتها السابقة.
يسند «منصور على» بيديه على فرشته التى تعرض القمصان الرجالى، يتحرك قليلاً جهة اليسار، ليستظل بالشمسية التى تحميه من لهيب الجو، يسرح فى سنوات عمره التى قضى أغلبها فى العتبة، وتحديداً منذ عام 1987، بعد أن جاء من أسيوط للقاهرة شاباً، يقول لـ«الوطن»: «وقتها ماكانتش زحمة كده، كنا منعديش الـ50 بياع».
اختلفت الأمور كثيراً بعد مرور 30 عاماً، يضيف «منصور»: «الزبون نفسه اختلف، بيفاصل أكتر، بقيت أتعب من الزحمة والخنقة»، يقف «منصور» 14 ساعة يومياً، فأصبح لديه زبونه الخاص الذى يقصده، يتابع: «عشان بعامل الزبون بكل أدب واحترام، وبفهمه الخامة الكويسة من الوحشة، وبديله قمصان جودة عالية، ومغليش عليه».
"منصور": "لما جيت من 30 سنة ماكانتش زحمة كده.. كل حاجة اختلفت حتى الزبون نفسه بقى بيفاصل كتير"
من رزق العتبة، استطاع «منصور» تربية 9 أبناء، يحلم لهم بحال أفضل منه: «معايا واحد مخلص كلية حقوق، وواحد مخلص آثار وشغالين معايا، فى العتبة كل أنواع البياعين، المتعلم وغير المتعلم، فيه مهندس بياع وفيه تاجر، فيه المحترم وغير المحترم، فيه كل التخصصات والأعمار، وكله عايز ياكل عيش». الشمس طبعت آثارها على وجه «أشرف عادل»، 38 عاماً، فزاد سُمرة، ولا تحميه القبعة التى يرتديها من الشمس الحارقة، يبدو فى البداية بغاية النشاط، وفى المنتصف يهدأ قليلاً، ويخفت صوته من التعب، ليكتفى بالجلوس إلى جانب بضاعته: «بطلب من ربنا سبحانه وتعالى إنى أرتاح، أنا تعبان وساعات بنام فى الشارع عشان أبقى جنب بضاعتى».
أمور عدة يعانى منها بائع العتبة، بخلاف تعب المهنة، يحكى عنها «أشرف» قائلاً: «علينا ديون، وبنكتب وصولات أمانة على نفسنا، ده غير اللبس التالف واللى بيتسرق، ومش بنطلب من ربنا حاجة غير التوفيق، والحكومة تسيبنا ناكل عيش».
يبيع «أشرف» الملابس فى العتبة، منذ أن كان ثمن القطعة يتراوح بين 7 إلى 10 جنيهات، أما الآن فالأسعار من 35 إلى 85 جنيهاً، يقول: «كل حاجة اتغيرت من 22 سنة لحد دلوقت، مش السعر بس، الزبون كمان اتغير، واتنصّح علينا وبيفاصل ومش بيعجبه أى حاجة».
بجانب «أشرف» يوجد المئات من الباعة، منهم أصحاب فرشات الملابس، ماكينات الحلاقة، شواحن، طعام، وغيرها، كل منهم يحاول لفت الانتباه إلى بضاعته، ليشترى الناس منه، من بينهم «هيثم أبوفاطمة»، شاب يملك قدرة على تسويق بضاعته، وهى ماكينة تقشير البطاطس، حيث يقدم عرضاً جذاباً للمارة عن كيفية استخدامها، ويساوى سعرها 10 جنيهات.
طيلة وجوده فى العتبة منذ عشرات السنوات، يحلم «محمد عزت» بافتتاح محل ينتشله من التعب اليومى، حيث يقف من الصباح حتى الحادية عشرة مساء: «السوق صعب، وناس تفاصل، اللى بيشترى طقمين بقى يشترى طقم واحد، ويوفر لعياله». الحظ يلعب دوراً كبيراً فى رزق البائع، بحسب «عزت»: «البياع الشاطر يربى زبون ويبقى مستديم معاه، ومايشتريش إلا منه». وأكثر ما يتعبه البضاعة التالفة والمسروقة، ويحلم بالحصول على ترخيص رسمى: «نفسى يبقى ليا مكان ثابت بدل وجع القلب».